أعلام التصوف .. "العلامة الزاهد الفقيه الشيخ محمد أديب الكلاس"

الخميس 26 آذار , 2020 12:47 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

أعلام التصوف

 العلامة الزاهد الفقيه الشيخ

محمد أديب الكلاس

 

 

هو العلامة المربي الزاهـد الفقيه الشيخ محمد أديـب الكلاس بنُ أحمدَ بن الحاج  دِيــب الدمشقي أصـلاً، والكلاس شــهرةً وعـملاً، والإمـام والخطـيب دعوةً، والأدب والتواضـع سـِمـةً، وعلو الهمة شرفاً، وحـب الـفقراء والمـساكين وطـلاب العلم أخـلاقاً، واحـترام شـيوخه أدباً، ومقارعة الشـُبـَه والباطل عـُمـَرياً، وحـُب الخلفاء بكرياً، واحترام آل البيت مودةً ورحمة.

ولادته ونشأته:

ولد في دمشق الشام في حي القيميرية عام 1921م، وسُمي مـحمـد ديـب الـكلاس.

والده: (أحـمد الـكلاس)، كـان مجاهداً ضد المستعمر الفرنسي.

وكان والـده رحمه الله، ذا حجة بينة، مستحضراً كتاب الله عز وجل، وكانت له شهرة بإتقانه لعمله.

أما والدته، فهي السيدة (درية الكلاس)، وقد عـُرفت بـِسـَعة الصدر، وبالأخلاق الحسنة، وبالحلم والأدب، وقد توفيت والشيخ محمد أديب الكلاس غلام، فقامت ببعض شؤونه أخته - واسمها بشيرة- وخالته زوجة أبيه، وقد عـُرِف منذ صغره بنشاطه وذكائه واعترافه بالحق لغيره.

تواضعه:

أما تواضعُ سيدي الشيخ فلم يكن بدعاً، بل كان رداءً ألبسه إياه الله عز وجل، حيث كان إذا اجتمع للعب مع أقرانه الأولاد في مكان نشأته، قال: أنا مـَع مـَنْ؟ ولم يكن ليـُنشئ حـَلـَقة أخرى للعب يقارع فيها أقرانه أبداً، إذ كان التواضع سمة فيه منذ صغره.

شيوخه في تحصيل العلوم :

أودعه والده في كتاتيب المشايخ لتلقي العلوم النافعة – والكتاتيب: مدارسُ أهليةٌ تأخذ أقساطاً مقابل تعليم الطلاب - رغبةً منه بتنشئته بعيداً عن المدارس الحكومية أيام الاحتلال الفرنسي، وكان الشيخ- رحمه الله تعالى- لا يشارك في درس اللغة الفرنـسية بل كان يجلس صامتاً، لأنَّـه يـعتقد أن هذه اللغـة هي لغـة المحتـل، حتى إذا أعيـا الطـلابَ ســؤالٌ أُلقي على أسماعهم، كان الأستاذ يقول: أنا أعرف من يجيب، إنَّه أخوكم ورفيقكم تلميذنا الـكلاس، انظروا كيف يجيب، فيوقد بذلك شعلة التحدي عنده، لأنَّ  الشيخ كان يعرف الإجابة ولكنَّه ما كان يجيب حتى يُسأَل، فيسأله أستاذه فيجيبه، ومن ثَمَّ نصبه الأستاذ عريفاً للصف! تودداً إليه، وتقرباً منه، و ذلك ليشارك في دروس اللغة الفرنسية، وقد رأى منه أستاذه اجتهاداً وذكاءً ونباهةً فاق بها أقرانه.

ثم دَرَسَ في المدرسة الكاملية، ثم في المدرسة الجوهرية السفرجلانية، حيث أدركَ الشيخَ الجليل(محمد عيد السفرجلاني)، وهو يومئذٍ شيخُ الشام على الإطلاق، وبعد ذلك انتقل إلى المدرسة الأمينيـة، وكان فيها من الأسـاتذة الشـيخ (كامل البغال). وممن درسه أيضاً الـشيخ (محمد خير الجـلاد)، وبعدها انتقل إلى مسجد الشيخ (عبد الله المنجلاني) وكُتَّابه، ومن ثم ذهب إلى مدرسة الإرشاد والتعليم.

ولمـا بـلغ الشيخ من العمر عـشر سـنوات وكان ذلك في عـام1931م، قـرأ /الأربعين النووية، ومبادئ الفقه بنور الإيضاح/، على الشـيخ الراحل العلامة صاحب النهضات في بلاد الشام، المغفور له  مـحـمد صالح الفرفور الحسني.

ثم بدا لوالده أن يعلمه مهنة الخياطة على يد بعض الخياطين فمنعه ذلك من متابعة دروس الشيخ الفرفور، لأنَّه كان يعمل حتى منتصف الليل، في هذه الآونة.

ولكنَّه عاد بعد ذلك ليعمل مع والده في حرفة الكلاسة والطين العربي، وكانت خبرة والده آنئذ ممتازة جداً، فهو المهندس المتفوق بناءً، وعمارةً، وإنشاءً والشيخ الزاهد صدقاً وإخلاصاً.

وفي تلك الفترة بدأ الشيخ أديـب رحمه الله بالـتردد إلى حلقتين: حلقةِ مجلـس الصـلاة على النبيr للشيخ سهيل الخطيب، وحلقةِ الشيخ هاشم الخطيب التي يقرؤون فيها القرآن الكريم.

وكان من أسباب عودته إلى تلقي العلوم على الشيخ محمد صالح الفرفور: أن الشيخ أديب كان مرجعـاً لأخيه الأصغر – الذي كان طالباً في صفوف دراسته المتقدمة – في المعضلات الحسابية، فكان يتعجب منه أخوه ويقـول له: لـو دَرَسَت معي لحصلت أعـلى الدرجات!, وكان الأخُ الأصغر- واسـمه رمزي- أخوه لأبيه غيرَ قادرٍ على شرح الدروس لأخيه الشيخ (أديب) مثلما تلقاها من أساتذته، فيقول للشيخ محمد أديب الكلاس لو ذهبت معي إلى المسجد لوجدت جواباً لأسئلتك المركزة، التي تحتاج لأستاذ يجيب عنها، فقال له الشيخ أديب: أعلم ذلك، فكانت العودة الميمونة للشيخ من أجل تلقي العلم بشغف وشوق، فأضحت طريقة عودته لطلب العلم حافزاً نشطه وعبرةً أفاد منه، وكان ذلك بعد أن سمع من صاحب مطبعة الترقي الأستاذ (صالح الحيلاني) قولاً بليغاً عن الذي يصرف وقته إلى جسده، ويترك العلم والمستقبل والروح، وينشغل بالرياضة، حيث قال ذلك الحكيم لولدهِ: " يا بني أنا لا أعجب من رجل يحمل مئتي رطلٍ، ولكنني أعجب من رجل يَخـطُّ خطـاً فيغير وجه الأرض"، فكان أنْ وقـع هذا الـكلام من الشيخ موقع الحق والحضارة، فـدخل إلى سماء الله في أرضه؛ أي: إلى المسجد، لأن المسجد يكون في الأرض ولكن السماء تكون فيه.

عمل الشيخ بالدعوة إلى الله:

وشاءت إرادة الله للشيخ الكلاس أن يتفرغ لأمور الدعوة إلى الله تعالى، فكان إماماً وخطيباً في العديد من مساجد دمشق، ومدرساً للعلوم التي تلقاها عن مـشايخه، ولم يـَفُتْه- وهو عند الشـيخ صـالح طالباً ومدرسـاً في معهده - أن يتتلمذ بعض الشيء للعلامة الطبيب الشيخ (محمد أبو اليسر عابدين) مفتي سوريا وقبلة العلم في بلاد الشام في زمانه، والذي كان يقول له:

"ليتني عرفتك من قبلُ"، لِمَا أعجبه من علمه، وسعة إطلاعه، وتدقيقه في المسائل العلمية، وحجته البالغة، وتواضعه، وزهده.

ولقد نبغ الشيخ نبوغاً كبيراً، فكأنه كان قد حوى في صدره جميع ما قـرأه فوعـاه، حتى غدا جـبلاً من جبـال العلم يمشي على الأرض، وقد ســمعته يقول عن نفسه وهو تـلميذ: وقت الامتحان أنظرُ في الـسؤال، ثم أتذكر كلام الشيخ المدرس، وكلام الأستاذ ، فأكتب ما قاله فآخذ العلامة التامة.

ومع ذلك العلم الغزير و المرتبة الرفيعة لم يترك الشيخ مساعدة والده في عمله، بل كان يحرص على نيل رضاه فيعمل معه نهاراً، ويتابع تحصيله العـِلمي ليلاً.

عنايته بالعلم والتعليم والإرشاد :

بـرع الشـيخ بالمناظرة ، وإبطال الشـبهات ، والرد على أهـل الأهـواء ، والمـلحدين والمبتدعين كما أن له شغـفاً بـالـتوحيد وعلم الكلام ، لذلك فـهو صاحب حـُجة وبـرهان ، وإقناع مع رحـَابة صدر شديدة، وتواضع جم، وزهد كبير .

لـه حـظ كبـير في عـلوم الفرائض، والـفقه، وعلوم الآلة، ولعل أحب علم لديه هو الـفقه والـتوحيد.

وصف الشيخ أبو اليسر عابدين الشـيخَ أديبَ الكلاس بقوله إنك تشبه الفاروق (عمر بن الخطاب) رضي الله عنـه، لما يتمتع به من طبع يقارع الباطل، ولا يخشى في الله لومة لائم .

دَرَّس الشيخ في معهد الفتح الإسلامي منذ تأسيسه بيد الشيخ محمد صالح الفرفور، والمدرسة الأمينية، وبعض الثانويات كدار الثقافة، وثانوية الشرق .

وكـان رحمه الله يتواضع لطلاب العلم، ولا يـرد طالباً ولو كان مبتدءاً، و إذا طـُلب منه قراءة متن في مبادئ العلوم أو الفقه، لا يصرف الطالب أبـداً ويقول له: هذه أوقات فراغي إنْ وجـدتَ ما يناســبك، فضـع الوقـت الذي تريـده فـنقرأ فيـه مـعك إن شاء الله تعالى.

تلاميذ الشيخ :

تلاميذه: هم الذين قرأوا عليه، أو حضروا دروسه. وهم لا يـُحصَون كثرةً.

وفاة الشيخ:

توفي رحمه الله يوم الأربعاء 21/10/2009 – 3 ذي القعدة /1430 هجرية .

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل