12حكومة لبنانية اسقطها الشارع حلقة (5) ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 17 آذار , 2020 11:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

مظاهرات 23 نيسان 1969 تدفع برشيد كرامي للإستقالة

أقلام الثبات

اعتبر عهد الرئيس شارل حلو امتداداً لعهد فؤاد شهاب، ففؤاد شهاب هو الذي اختار شارل حلو، والاكثرية التي انتخبته رئيساً كانت اكثرية شهابية في المجلس النيابي. وقد احتفظ الرئيس حلو حوله بمعظم الموظفين والاعوان الذين كان الرئيس شهاب قد اختارهم ليعاونوه، كما اعتمد على المكتب الثاني لمساعدته في تنفيذ سياسته التي اكد في اكثر من مناسبة انها استمرار للنهج الشهابي.

فسياسياً، تعاون الرئيس حلو مع الرئيسين صبري حمادة ورشيد كرامي ركني الشهابية الاساسيين، ومع الحاج حسين العويني القريب من الشهابيين، "كما حافظ على التوازن السياسي ـ الوطني الذي كان الرئيس شهاب قد أقامه بإشراكه كل من كمال جنبلاط وبيار الجميل في كل الحكومات".

واذا كان الرئيس شارل حلو يعترف بكلمة السر التي اطلقها الرئيس شهاب لانتخابه لسدة رئاسة الجمهورية، فإنه يؤكد بقوله: "لا احفظ من قصة صعودي حتى رئاسة الجمهورية، سوى تسلسل عوامل ووقائع، قادتني من وزارة إلى اخرى حتى تم تعييني، اخيراً، المرشح الافضل لتحمل مسؤوليات الحكم العليا، ومهما كان رأي علماء الاسرار، فانا لم اصغ قط الا إلى (صوت) ضميري". وبالتالي فان الرئيس حلو اراد ان يفلت من ظل سلفه.

التطور النفسي في العلاقات مابين الرئيس حلو والشهابيين السياسيين والاداريين والعسكريين، ماكان ليؤدي إلى الطلاق في أواخر عهده، لو لم تقع نكسة حزيران1967 العسكرية التي غيرت معظم المعادلات الاستراتيجية الدولية والاقليمية، وفي طليعتها المعادلة الناصرية ـ الشهابية التي كانت في اساس الاستقرار الوطني والسياسي في لبنان".

كانت حرب 1967، بدأت تترك تأثيراتها الكبيرة على لبنان ، وبالتالي: فإنّ عهد الرئيس شارل حلو لم يعد عهداً سهلاً وهادئاً، فهزيمة عبد الناصر عام 1967، وبروز المقاومة الفلسطينية وتحول الحركات القومية والثورية نحو الراديكالية واتخاذها لبنان مركزاً لنشاطها، كل ذلك جعل فترة 1967 ـ 1970 فترة صعبة. فالوحدة الوطنية اللبنانية المرتكزة على التوازن الدقيق بين العروبية والكيانية، وبين المصالح الفئوية والطائيفية، لم يكن باستطاعتها الصمود أمام ردود فعل الاجيال اللبنانية والعروبية ازاء هزيمة 1967 العسكرية. وكما ان التيار القومي الوحدوي ـ الاشتراكي شكل ردة الفعل الطبيعية على هزيمة 1948، فإنّ تياراً راديكالياً ماركسياً ثورياً ومعادياً "للامبريالية" الغربية ومركزاً على الثورة الفلسطينية، ابصر النور بعد هزيمة 1967، متخذا من لبنان مستقرا ومنطلقا له، وعلى غرار أحداث في الخمسينات فقد اثار هذا التيار ردود فعل في الاوساط الرأسمالية والمتطلعة إلى الغرب، وترجمت احدى ردات الفعل عام 1968، في قيام ماسمي بالحلف الثلاثي الذي ضم ثلاثة أحزاب مارومية هي الكتلة الوطنية (ريمون اده)، الوطنيون الاحرار (كميل شمعون) والكتائب (بيار الجميل).

منذ العام 1968، اصبحت مشكلة الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان الشاغل الاول للاوساط السياسية واللدولة ويقول غابي لحود: "كان هناك وضع متفجر، وكنا كلما عالجنا مسألة تطرأ مسألة، والحقيقة اننا كنا أمام ازمة لا يملك احد حلاً لها، لا شارل حلو ولا رشيد كرامي، كان هناك تعاطف مع المقاومة الفلسطينية، الاحزاب والقوى التي كانت مؤيدة لعبد الناصر باتت مؤيدة للمقاومة الفلسطينية، الاحزاب اليسارية ايدت المقاومة ايضا، ووجدت الوضع مناسبا لهز هيبة النظام على امل تغييره، فشاعت المطالبة بإطلاق حرية العمل الفدائي، لم تكن الدولة راغبة في منع الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم لاسترجاع ارضهم ولم تكن قادرة حتى لو رغبت، ولم يكن في استطاعة الدولة القبول بإطلاق حرية العمل الفدائي على مصراعيه لأنّ ذلك يعني اسقاط اتفاق الهدنة وهو الحماية الدولية الوحيدة لنا أمام اسرائيل التي هزمت الجيوش العربية في 1967، وهي قادرة على زعزعة الوضع اللبناني، وكنت أمام كل مشكلة اذهب إلى كمال جنبلاط رحمه الله، فكان ينصح بالمعالجة والتروي.

وكما كان متعذّراً جمع اللبنانيين حول قرار اطلاق حرية العمل الفدائي كان متعذرا جمعهم حول قرار منعه الذي ماكان ليحظى بالتأكيد بأي دعم عربي إلى أن حصلت أحداث23 نيسان 1969 واتضحت معالم المأزق".

لقد خطر على بال شارل حلو ان يتخلص من موقفه الحائر، ومن تلك الازدواجية، فلم ير مخرجاً سوى اللجوء إلى الاستقالة، لعل السياسيين والنواب يهبون كما هبوا في20 تموز 1962 يوم استقالة فؤاد شهاب، لكن ردة الفعل لم تحصل بالضخامة التي تمناها صاحب العهد، ولم يشعر بها الشعب اللبناني كما حدث يوم استقالة فؤاد شهاب".

ومن نتائج هذه الاستقالة انها ساعدت الرئيس شارل حلو على تأليف حكومة استثنائية من اربعة وزراء هم: الحاج حسين العويني، الدكتور عبد الله اليافي، بيار الجميل والعميد ريمون اده. غير ان هذه الحكومة مالبثت أن استقالت اثر الاعتداء الاسرائيلي على مطار بيروت الدولي وتدمير عدد من طائرات الاسطول الجوي لشركة طيران الشرق الاوسط (الميدل ايست) وكلف الرئيس رشيد كرامي بتأليف حكومة جديدة، الا انه في ربيع عام 1969، وعلى اثر اصطدام بين المقاومة الفلسطينية وقوات الامن الداخلي اللبنانية، وانطلاق مظاهرات شعبية كبرى في 23 نيسان تحت شعار حماية المقاومة، وسقوط ضحايا من المتظاهرين تبين أن قائد موقع بيروت العميد اسكندر غانم هو من اعطى الأوامر دون العودة إلى وزير الدفاع أو رئيس الحكومة، فأحيل إلى المعاش، وقدم كرامي استقالة حكومته وانقسمت البلاد، فلم يشأ رئيس الجمهورية قبول الاستقالة أو رفضها، اذ ادرك ان البلاد كانت على حافة الهاوية وان كل محاولة أو مناورة سياسية تقليدية كان من شأنها نقض الميثاق الوطني وما يستتبع ذلك من اخطار، فاستمرت الأزمة نحو 9 أشهر، بين حكومة مستقيلة ورئيس مكلف هو في ذات الحين رئيس الحكومة المستقيلة، هو الرئيس الشهيد رشيد كرامي. 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل