نصيحة هادية إلى كل غيور على ما أنزل الله تعالى من وحي السماء

الثلاثاء 10 آذار , 2020 02:03 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات 

 

نصيحة هادية إلى كل غيور على

ما أنزل الله تعالى من وحي السماء على قلب

خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وسائر إخوانِه مِنَ الأنبياء ومَن والاهم وتَبِعَ هديهم، والْتَزَم مكارمَهم على مَنْهَجِ وحيِ مُرْسِلِهم خالقِهم سبحانه إلى يوم الدين وبعد:

فهذا خطابٌ لذوي الألباب والأفئدة من بني آدم قاطبةً فيه مِنَ التَنْبِيه والتوجيه ما يذكر الغافل بقديم المشكاة النبوية الواحدة قدمَ العهد القديم، ويقي التائهين عن ذلكم المسار غضب الغفار، ويعيذُهم مِنْ ذُلِّ العار وخطر الخسار يوم العرض على القهار.

وأبدأ بِبَيان الله الخالد رابط الأنبياء جميعِهم بخاتَمِهم عليه وعليهم الصلاة والسلام القائل في بيانه الخالد وكتابه المعجز:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.

هذا البيان الجليل المشير إلى الرابط العُلْوِيِّ الأقدس بين أَطْهَرِ بُقعتَيْن مِنْ بقاع الأرض المسجدِ الحرام والمسجد الأقصى.

نعم! بين بُنيان أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي أُمِرَ أنْ يرفع قواعدَه على أساسٍ قديم قِدَمَ الرسالات كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وبين مَهْبِطِ الأنبياء المسجد الأقصى. حيث قال سبحانه: {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}.

وامتداد ذلك في بيان واضح لا غُموضَ فيه ولا تغريب: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

فلعله بتلك الآيات البينات نُدرك عظيمَ الحكمة الإلهية من تقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً على جميع الأنبياء مُجمعين على سيادته راضين مسرورين مغتبطين وقدمتْكَ جميعُ الأنبياء بهمْ تقديمَ مخدومٍ على خَدَمِ.

هذا؛ وقد تَجَسَّد جوهرُ تلك الحقيقةِ ليلةَ الإسراءِ في بيت المقدس والمسجد الأقصى لَمّا أشارَ إليه بطلبِ التقدُّم سيدُنا جبريلُ، ثم فورَ انتهائه من الصلاة أعلمه: صلى إماماً بكلِّ مَنْ بَعَثَ اللهُ من الرسل والأنبياء.

ثم لما عرج به إلى السماوات العُلى كان أشهرَ مستقبليه مَن عُرِفَ منهم بأولي العَزْمِ للإشارة إلى عظيم ما شرَّفه اللهُ تعالى به من حمل لوائهم، وخَتَمَ رسالاتِهم بكتابٍ جامعٍ مانعٍ، وبالعود الحميد بينه وبين سيدنا إبراهيم وعيسى وموسى بعد ترحيب لافت واستنارة آسرة بقولهم: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح, مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}.

والآن أقول: إنما هو تذكيرٌ لِمَنْ اسْتَخَفَّ ببيانِ اللهِ تعالى فجعلَ يُلغيه بحماقةِ الذين {قَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} فجعلوا يتقاذفون كتاب الله تعالى [القرآن] مُسْتَخِفِّين مُسْتَهْزِئين مُنْتَشِين بما يفعلون _وهم غافلون_ عن حقيقةٍ تتصل بهم أَيَّما اتصال أنَّ إساءَتَهم إنما هي إساءةٌ إلى جميع الأنبياء وكتبهم السماوية ذلك أنَّ القرآنَ جامعٌ لها مفصحٌ عنها مُوَضِّحٌ لمضامينها بتصوير لافت وكشفٍ مُضيء على ميزان حرف سيدة اللغات [العربية] لغة الضاد.

ففي القرآن تواريخ الأنبياء لاسيما عيسى وموسى بل من سوره الهادية سميت بمضامين ذلك أجل!

ففيه؛ [سورة البقرة] المتضمنة مَسيرةَ علاقة اليهود مع سيدنا موسى ونقلِه أوامرَ اللهِ تعالى إليهم بمصداقية كاملة وشفافية مطلقة

وفيه؛ [سورة آل عمران] المتضمنة مسيرةَ ولادةِ سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام من البداية إلى النهاية.

وفيه؛ [سورة بني اسرائيل _الإسراء_] المتضمنة طرفاً من أهم ما فعلَه اليهود مع سيدنا موسى عليه السلام.

وفيه؛ [سورة مريم] المتضمنة مسيرةَ حملِها ووضعِها وعنايةِ ربِّها بها ورعايتِها ومُعْجِزَتِها الخالدة من البداية إلى النهاية.

وفيه؛ [سورةُ الأنبياء] المتضمنة للجليل من أخبارهم الهادية ومكارمهم الراشدة.

وفيه؛ [سورة القصص] المتضمنة لقصصهم مع أقوامهم والمصوِّرة ولادةَ سيدنا موسى وأسبابَ حفظ الله تعالى له بأبهى صورة وأوضح تعبير.

وفيه، وفيه، وفيه من أخبار الكلِّ مِنْ لدن سيدنا آدم إلى خاتَمهم سيدِنا محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين ما يُثْلِجُ الصدرَ ويجعلُ الْمُنْصِفَ المتجرِّد يَغُضُّ الطرفَ إجلالاً لعظمتِه، غير أني أقول: قاتلَ اللهُ الجهلَ وأهلَه، وقديماً قيل: [الإنسان عدوُّ ما جهل]

وهنا بعد ما تقدَّم تُرى ألَيْس مِنْ حقِّ العقلاء النبلاء أنْ يَتَوَجَّهوا إلى أولئك الحمقى بصريح القول:

ألا أيها الأغبياء! ألم تعلموا أنَّ إساءَتكم للقرآن إنَّما هي إساءةٌ لما تؤمنون به مِنْ ثوابتِ الكُتُبِ السماوية لاسيما التوراة والإنجيل.

فكلُّ مَنْ تقاذَفَ القرآنَ الكريم مُسْتَخِفّاً، فإنَّما هو استخفاف وإلغاءٌ لباقي الكتب السماوية لاسيما التي يؤمن بها، ومن ثمَّ فهو إلغاء لذاته وهويته. ذلك أنها جميعَها تخرجُ مِنْ مِشكاةٍ واحدةٍ.

أَعْلِموه بأنَّه أساءَ إلى نَفْسِه من قبلِ أنْ يُسيءَ إلى غيرِه، وأَسْقَطَ مجتمعَه ومَرْجِعيَّاتِه مِنْ قبلِ أنْ يُسْقِطَ غيرَهم، وذلك أنَّ القرآن _وباعترافِ الكثير مِنْ قساوستهم المنصفين, وبطارقتهم المستقرئين _ خيرُ كتابٍ أَفْصَحَ عن ثوابتِ الكتبِ السماوية لاسيما التوراة والإنجيل, وذلك بِحَرْفِ سيِّدة اللغات [العربية] لغةِ الضاد عَبْرَ حرفِها الرَّصين وجُمَلِها الْمُتوازِنة وبلاغتِها المجسِّدة لكمالات المعنى وبهائه، وبفِقْهِها الْمُوصل إلى فهم المراد من المبنى، ودلالاتِها الهادية إلى نظام الهداية المعجز.

قيل لأحد قساوسةِ الغرب: ما الذي تَسْتَعْذِبُه مِنْ قصص القرآن؟ قال: قصةُ مريم، ثم سئل فلو شِئْتَ أنْ تَقُصَّها على ابنتك، فَمِنْ أيٍّ مِنَ الكتب السماوية تُمْليها عليها، وتتلوها على مسامعِها؟ قال: من القرآن الكريم.

فرحَّب بجوابه جموعٌ غفيرةٌ من الحاضرين مِنْ بني دينِه مُعربين عن سرورِهم بِتَصْفيقٍ لافت وإقرارٍ جامع.

ختاماً؛ ألا يا أيها العقلاء مِنْ أهل الكتاب، بل ومن أهل الأرض كلِّها تدَبَّروا كتابَ الله تعالى تعلمُوا أنَّ في إعراضِكم عنه إعراضاً عن الحقيقة الْمُجَرَّدة المحتاجِ إليها خلقُ الله أجمعين، وقد عُلِمَ أنه ما من عاقل اطَّلع على حقائقه إلا ولم يَسَعْهُ إلا التسليم لما بين دفتيه واتباعه والعمل بمقتضاه والالتزام بدلالاته.

أما بعد؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

 

المصدر: موقع نسيم الشام 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل