السعوديّة نحو مملكة سلمانيّة جديدة !

الإثنين 09 آذار , 2020 02:16 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

ما يجري في السعودية أكبر من مسألة نقل للسلطة من الأعمام إلى الأحفاد، يتجاوز حقوق أميرين من أولاد المؤسس عبد العزيز وهما أحمد ومقرن، شقيقا الملك الحالي سلمان، لا شك في أن الأمر أخطر بكثير، فهناك مشروع إلغاء كامل للمعادلة التاريخية التي تحكم السعودية منذ مطلع القرن الماضي ابتدأت مع عبد العزيز، وقامت على أساس أفقي ينتقل الحكم فيه من الأخ إلى أخيه وهكذا دواليك حتى استنفادهم بالكامل، وعندها ينتقل الملك الى الإبن الأكبر من عائلة الأخ الأكبر بشكل يستمر فيه النظام الملكي الأفقي على هذا المنوال إلى ان تنتهي السعودية نفسها، فلا يستاء جناح سعودي من أي جناح آخر، لأن دوره آتٍ في الحكم حتى لو طال الانتظار بضعة عقود أو قرون.

أما القاعدة الثانية للحكم فتقوم على أساس تبعية كاملة للسياسات الأميركية في العالم، خصوصاً في تنفيذ ما تحتاجه في العالم الاسلامي، إلا أن الحكم السعودي الذي ينصاع دائماً للنفوذ الأميركي، يحرص على عدم اهتزاز صورته على مستوى الاسلام وتقديم صورة قوية عن التزامه بالقضية الفلسطينية. وهنا يلعب الاعلام دوراً في عرض صور إيمانيّة لآل سعود مع عمق دفاعهم عن فلسطين والتزامهم بتقديم مساعدات للدول الاسلامية، يتبين في ما بعد أنها «رشى» لضبط هذه الدول في إطار الجيوبولتيك الاميركي.

ماذا يفعل محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي بالمعادلة السعودية؟

استفاد إبن الملك سلمان من الرئيس الأميركي ترامب فاشتراه بعلاقات اقتصادية دفع فيها الأمير محمد نحو 500 مليار دولار دفعة واحدة، كانت كافية لتلبية طموحاته وأولها أن يكون وريث ابيه سلمان في الملك السعودي، على أن يصبح في مراحل لاحقة الزعيم الأبرز في العالمين العربي والاسلامي.

لذلك تزامن تعيينه ولياً للعهد في توسيع احجام التدخلية السعودية في اليمن وقبلها في سورية والعراق ومصر، والقرن الأفريقي والسودان والجزائر، وتونس وليبيا. فكل ما أرادته السياسة الأميركية، نفذه من دون نقاش، حتى أنه اغتال الاعلامي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية من دون أي مساءلة دولية فعلية، وذلك للغطاء السميك الذي وفره له ترامب.

لكن تراجع السياسات السعودية في سورية والعراق وانكسار مشروعها في اليمن وعجزها عن السيطرة على قطر، وانحسار مراكز قوتها في مجمل العالمين العربي والاسلامي، انتجوا مرحلة تقلص الأهمية السعودية من دولة ذات مدى اقليمي دولي يصل الى حيث يوجد مسلمون، ثم تقلصت الى مستوى دولة عادية جداً من دول السرق الأوسط تعجز عن إقناع معظم جوارها باهتماماتها السياسية، كما فشل السعوديون في دفع أصدقائهم الدوليين والإقليميين الى محاربة ايران، وظلت تهديداتهم لها مجرد جعجعة أصوات وحبر على ورق.

هذا الانكسار السعودي انعكس على مستوى الداخل، فهناك نحو خمسة آلاف أمير سعودي ممتعضين من استئثار محمد بن سلمان بالحكم وولاية العهد بالقوة وعكس مألوف معادلة الحكم التقليدية في السعودية.

هناك إذاً إحباط من فشل السياسة الخارجية لإبن سلمان، بالإضافة إلى اغتيالاته المتعدّدة لمنافسين له سواء بأحكام ملفقة او باغتيالات سرية.

لكن ولي العهد وصل الى مرحلة استشعر فيها أن الأميركيين خصوصاً والغرب عموماً لن يتورعوا عن اقصائه عن ولاية العهد في السعودية اذا شعروا أن إبعاده يضمن استقرار هيمنتهم على شبه الجزيرة العربية.

بأي حال، تنبّه محمد بن سلمان الى هذا الاحتمال، بمواكبة بدء عمه أحمد بن عبد العزيز بالالتقاء مع محمد بن نايف وزير الداخلية السابق المعزول ايضاً عن ولاية العرش، وكثير من بعض الأجنحة الأخرى، المنزعجة من دكتاتورية محمد بن سلمان، هذا مع دعم خفي من بعض الاجنحة الاميركية التي أسرعت لبناء بدلاء من محمد بن سلمان، في حالة انهياره، والبديل الموضوعي هنا، هو عمه احمد وشقيقه مقرن وصولاً إلى اولاد عمه محمد بن نايف وأخيه نواف، من دون نسيان آلاف الامراء السعوديين الرافضين لمعادلة ابن سلمان بالاستئثار بالحكم على اساس نظام جديد ينقل المُلك من سلمان الى محمد ابنه وأولاد نجله، ما يعني تغييراً بنوياً في المملكة السعودية الى المملكة السلمانية، فما هي تداعيات هذا الاحتمال؟

لا بد في المنطلق من وجود دعم اميركي ضروري لمثل هذا الانقلاب السلماني في مفهوم السلطنة، لأن السعودية جزء بنيوي من الجيوبولتيك الاميركي تتمتع بحرية نسبية بتأسيس علاقات مع اوروبا وتجارية مع الصين وروسيا انما بشكل مخفف، ما يربط أي اتجاه لتغيير عميق في بنية المملكة لتأييد أميركي مسبق، فهل هذا موجود؟

صمت البيت الأبيض يعكس تأييداً أميركياً مضمراً يترقب النتائج للاعلان عن تأييده، كذلك فإن اوروبا تنتظر المسألة نفسها ومعها روسيا والصين.

لجهة الداخل السعودي، فقد تمكن محمد بن سلمان من الإمساك بكل عناصر القوة السعودية من الجيش والحرس الوطني والمخابرات ورؤوس العشائر، والقوة النفطية عبر سعيه إلى بيع أسهم أرامكو في السوق العالمية. وهذا بمفرده عنصر جذب للقوى الغربية وإبعادها عن الصراعات بين الامراء في الداخل.

كما أنه قطع علاقات النظام السعودي بمجمل القوى الإرهابية الممتدة من الحركة الوهابية الخاصة ببلاده، وذلك في حركة لكسب الودّ الغربي، وإيهامهم بتطورات حديثة في المجتمع السعودي التقليدي.

ما هو واضح إذاً ان ابن سلمان يترقب موت والده سلمان مهيئاً مجلس البيعة لإعلانه ملكاً، وبحركة تمهيدية اعتقل المنافسين المحتملين من أعمامه أحمد بن عبد العزيز ومقرن وأبرز منافسيه الناقمين عليه من أولاد عمومته والأكثر فاعلية وهما محمد بن نايف وشقيقه نواف، مع نحو ثلاثين أميراً من اصحاب العلاقات الخارجية والداخلية.

إن هذه الصراعات تنذر باقتراب موعد النهاية الدرامتيكية لهذه المملكة على وقع الانفجارات المرتقبة بين الآلاف من أمرائها، ما يفقدها اهمياتها الاسلامية والخليجية والعربية وبالتالي الدولية. فهل يغفل الأميركيون عن هذه التطورات؟ تعتقد الدولة الاميركية العميقة ان دفع هذه الصراعات الى التأجيج، كفيل بإعادة انتاج دولة جديدة تقوم على النفط المتراجع وكميات كبيرة من الغاز لم يبدأ استثمارها بعد وهي المعادلة الجديدة الدافعة للاميركيين لتأييد أي دولة سعودية وجديدة وإحاطتها بدعم أميركي مشبوه.

 

د.وفيق إبراهيم ـ البناء


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل