12 حكومة لبنانية اسقطها الشارع (حلقة 3) ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 03 آذار , 2020 09:45 توقيت بيروت أقلام الثبات

 سامي الصلح يغادر لبنان دون ان يستقيل

أقلام الثبات

مع تولي الرئيس كميل شمعون السلطة في 23 أيلول 1952 بدأت ميوله الغربية تتضح شيئا فشيئا، بالإضافة إلى معاداته للعروبة، بما يعني مخالفته للميثاق الوطني، وخصوصاً مع ظهور نيته بدءاً من العام 1954 بالانحياز إلى حلف بغداد، وفي عام 1957 كشف عن نزعته للإنضمام إلى مشروع ايزنهاور، فتوسعت المعارضة ضده، واضطر لفيف من النواب منهم: صبري حمادة، حميد فرنجية، عبد الله اليافي، رشيد كرامي، أحمد الأسعد ومعروف سعد إلى تقديم استقالاتهم من مجلس النواب بعد أن فشلوا في الحؤول دون اقرار المشروع، فكانت هذه الاستقالة بمنزلة إعلان انفتاح أزمة شديدة وبداية لتجمع المعارضين وتكتلهم، فتشكلت في ربيع عام 1957 جبهة الاتحاد الوطني التي ضمت العديد من الشخصيات نذكر منهم: صبري حمادة، أحمد الأسعد، حميد فرنجية، حسين العويني، صائب سلام، عبد الله اليافي، وفيليب تقلا، وكان من أهداف هذه الجبهة:

  • رفض الاحلاف الاجنبية.
  • تبني سياسة خارجية محايدة ومستقلة بين المعسكرين.
  • مواصلة النضال لتحرير العالم العربي.
  • التمسك بالميثاق الوطني وبالتعاون بين المسلمين والمسيحيين.

وعلى حد تعبير الرئيس صائب سلام لي، فإنَّ وقائع وأحداث عام 1957أسست لأزمة عام 1958، اذانه في شهر حزيران من عام 1957 جرت الانتخابات النيابية التي رفع بموجبها عدد اعضاء المجلس النيابي إلى 66بدلا من 44نائبا، والتي وصفت بأنها تميزت بتزوير واسع، ويشير مايلز كوبلاند الذي ساعد في العام 1949 في تنظيم وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ثم عمل مستشارا اعلى لمؤسسة أميركية كبرى متخصصة في العلاقات الحكومية، وهو قضى القسم الاعظم من حياته العملية في منطقة الشرق الاوسط، يشير إلى ان السفارة الأميركية في بيروت - وليست وكالة المخابرات ـ قامت بتقديم مساعدات لبعض الحملات الانتخابية للمرشحين الموالين للغرب".. لافتا أيضا إلى "مساعدات قدمتها السفارات البريطانية والفرنسية والسوفياتية والمصرية للمرشحين الموالين لها".

مع اتساع هوة الخلاف بين اللبنانيين، كان التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية يتزايد باستمرار، ويؤكد مايلز كوبلاند على ذلك بقوله: "لم تكن مراقبة الأحداث لتقتصر على السفير الأميركي في بيروت وحده (وكان يومئذ دونالد هيث سفيرا حتى اواخر 1957، ثم روبرت ماكلينتوك في اوائل 1958)، بل كان يشاركه في هذا عدد من كبار المراقبين الرسميين وشبه الرسميين (الذين كانت لهم صفة الاستقلال عن السفير أو كانت تربطهم به مجرد علاقات شكلية".

وكان على رأس هؤلاء ويلبور (بيل) ايفلاند، الذي ارسله البيت الابيض كمبعوث خاص ليبقى على اتصال وثيق بالرئيس شمعون وليشرف على تنفيذ (مشروع ايزنهاور).

مع اطلالة العام 1958 كان التوتر الداخلي في لبنان قد بلغ مداه، خصوصا مع إعلان الوحدة بين مصر وسوريا في شهر شباط، واعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة برئاسة جمال عبد الناصر، وكان من شأن هذه الأحداث، كما يقول يوسف سالم: "ان تحدث هزات عنيفة في لبنان حسبت المعارضة انها تخدم اغراضها وتضعف كميل شمعون، لكن شمعون عرف ان يستغلها ويحيط رئاسته بهالة".

ان "قيام اول وحدة بين قطرين عربيين ايقظ آمال الوحدة في نفوس الأجيال العربية التي كانت كارثة فلسطين قد صدمتهم. وكان من الطبيعي ان تتأثر الجماهير الإسلامية في لبنان بهذا الحدث ولاسيما وان الاحزاب العقائدية ووسائل الاعلام المصرية كانت قد وفرت الاجواء الملائمة، وكان من جراء ذلك أن ارتفعت درجة التوتر بين الحكومة اللبنانية والقاهرة وان ازداد الانقسام المسيحي ـ الاسلامي في لبنان هوة".

ويقول يوسف سالم في هذا الخصوص: "وادرك اللبنانيون العقلاء المعتدلون خطورة الحالة وخطرها، وايقنوا ان كميل شمعون لم يبعد عن المجلس اقطاب المعارضة والزعماء السياسيين، إلّا ليعمل على تجديد رئاسته في خريف العام 1958، كما ادركوا انه إذا استمر اللبنانيون منقسمين هذا الانقسام الذي ينذر بشبه حرب أهلية تعرض لبنان لخطر فادح"، فكان ان حصل اجتماع في منزل النائب والوزير السابق يوسف سالم، حضره اضافة إليه عدد من الشخصيات السياسية منهم: بيار الجميل، هنري فرعون، شارل حلو، غسان التويني، الدكتور يوسف حتي، بهيج تقي الدين، جورج نقاش، محمد شقير، جان سكاف، غبريال المر، ونجيب صالحة، وقرر المجتمعون الاتصال بالسلطة واطراف المعارضة واطلقوا على أنفسهم اسم "القوة الثالثة"، غير ان بيار الجميل وشارل حلو سرعان مااستقالا من هذه القوة دون ان يحددا الاسباب.

بدأت هذه القوة اتصالاتها مع الاطراف المختلفة وكان اللقاء الأول مع رئيس شمعون، وفي هذا اللقاء يقول يوسف سالم الذي تحدث باسم القوة الثالثة: "اعربت ـ للرئيس شمعون ـ عن القلق الذي يسود اللبنانيين، وعن مخاطر الفترة التي يمر بها لبنان، وقلت له بصراحة ان من الاسباب التي ادت إلى هذا التوتر في البلاد هي النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات النيابية.

واضفت: وبعضها يتصل برغبتكم في التحديد ولا يخفي على فخامتكم ان التجديد يتطلب تعديل الدستور، وتعديل الدستور في هذا الجو المشحون بالقلق امر شاق فضلا عن انه غير ملائم في الوقت الحاضر.

فأجاب الرئيس بحدة: ومن قال لكم انني اعمل على تجديد ولايتي؟ أنا لم اعلن ذلك. قلت: يكفي يافخامة الرئيس ان تعلن انك غير راغب في التجديد حتى تهدأ الامور. فقاطعني بقوله: لا استطيع ان اعلن ذلك، لانني إذا لم اجد مرشحاً يستطيع ان يكمل السياسة التي سرت عليها، عند ذلك أرى نفسي مكرها على العمل للتجديد. فقال جورج نقاش للرئيس: إذا كنت تعتقد انك لن تجد بين المليونين ونصف المليون لبناني من يستطيع ان يكمل سياستك فهذا يعني ان هذه السياسة ليست لبنانية. عند ذلك قال الرئيس شمعون: اذا لم يكن عندكم ما تقولونه غير هذا فقد انتهى الحديث".

ويشيريوسف سالم إلى انه قبل وصول وفد "القوة الثالثة" إلى قصر الرئاسة كانوا قد وضعوا بيانين ليذيعوا احدهما عند انتهاء الزيارة: الأول يعلنون فيه استجابة الرئيس إلى رجائهم باعلانه الرغبة في عدم التجديد، والثاني، ان الرئيس لم يقبل رجاء "القوة الثالثة" ورفض ان يصرح بعدم رغبته في التجديد. ولما انتهت هذه الزيارة على الشكل الذي انتهت إليه اعلن سالم للرئيس انه سيذيع البيان الثاني، فأجاب الرئيس بغضب: "افعلوا ما ارتم" وبأيّ حال، فقد ظلت الأزمة في تصاعدها، وفي الثامن من ايار1958 انطلقت كما يقول مايلز كوبلاند: "الشرارة الاولى التي فجرت الصراع كله في لبنان" وذلك اثر اغتيال الصحفي المرحوم نسيبب المتني صاحب جريدة "التلغراف".

ويروي مايلز كوبلاند فيقول: "وتحت ضغط فوزي الحص واميل بستاني، غادرت بيروت إلى القاهرة، وقصدت ناصر للاجتماع به بعد تبادل سريع للآراء مع سفيرنا هناك ريموند هير، وكنتيجة لمقابلتي ناصر وسفيرنا، قدم ناصر إلى السفير اقتراحا جاء فيه: "لما كانت كل من الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية العربية المتحدة تمثلان الطرفين الخارجيين اللذين لهما علاقة بالأزمة اللبنانية، فإنني لا أرى مانعا في عقد اجتماع يضم الطرفين، وذلك للتوصل إلى اتفاق حل يفرضانه على اللبنانيين، إلّا ان السفير هير ردّ على اقتراح ناصر (بعد تبادل الرأي مع واشنطن) بجواب تعمد فيه اساءة تفسير اقتراح ناصر وجاء فيه (انه من دواعي سرور حكومة الولايات المتحدة ان تبذل قصارى جهدها للتوسط في النزاع بينك وبين الرئيس شمعون"، إلّا ان ناصرا، الذي اعتاد ان يوقع السفراء الأميركيين في شركه، دون تذمر أو احتجاج منهم. تضايق من هذه المكيدة التي دبرها السفير هير، وعندما اجتمعت به احسست انه مازال يعاني من وخزها، ومع ذلك فقد اسهب ناصر في شرح آرائه حول الازمة اللبنانية لينتهي اخيراً إلى القول، انه لو كانت الأزمة اللبنانية تخصه وحده دون سواه، فأنّ مايفعله هو تنصيب الجنرال فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية ورشيد كرامي رئيسا للوزراء.

اخبر السفير الأميركي في بيروت انئذ الرئيس شمعون ان الادلة التي قدمها على تدخل الجمهورية العربية المتحدة لم تكن مقنعة ولا حاسمة، كما ان مراقبي الامم المتحدة لم يعثروا على اي دليل لهذا الغرض ولهذا فإنّ نزول القوات الأميركية في لبنان امر غير وارد البته.

وهكذا اصبح الرئيس شمعون مثبط الهمة، وغدت فكرة التوصيل إلى تسوية النزاع اكثر احتمالا واقرب منالاً".

ويؤكد باسم الجسر "ان الحكومة اللبنانية تقدمت بشكوى لدى مجلس الأمن ضد الجمهورية العربية المتحدة متهمة إيّاها بمساعدة الثوار وبالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، فأرسل مجلس الأمن فريقا من المراقبين للتأكد من صحة الشكوى، وجاء تقريرهم لا يؤكد ولا ينفي وجود التدخل.

وتقدمت الحكومة اللبنانية بشكوى ثانية أمام مجلس جامعة الدول العربية، دون ان تحظى بنتيجة.

عندئذ طلب الرئيس شمعون تدخل أميركا العسكري والذي حدد اسبابه بخمسة وهي:

  1. المساعدة التي تقدمها جهات خارجية للثوار.
  2. ان الشكوى إلى جامعة الدول العربية لم تعط أي نتيجة
  3. ان مراقبي الأمم المتحدة لم يقوموا بأيِّ عمل.
  4. ان مجلس الوزراء اعطاني في جلسته المنعقدة في16/1/1958 تفويضا بالقيام بأيِّ عمل يضمن استقلال لبنان وسيادته وترك له حرية اختيار الظرف المناسب للتنفيذ.
  5. ان قيام الثورة في العراق في 14 تموز 1958 كان من شأنه تشجيع الثوار على الاستلاء على الحكم في لبنان. وهنا، يقول شمعون استدعيت سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا وطلبت تدخل الأسطول السادس.

بعد تسارع الأحداث على النحو الذي ذكرنا اوفد الرئيس الأميركي ايزنهاور مساعده روبرت مورفي إلى لبنان، الذي اجتمع مع كل الأطراف. وتدارس الموقف معهم، ودس كما يقول يوسف سالم "اثناء حديثه سؤالا عن الرجل الذي يستطيع، فيما اذا تولى الحكم، ان يعيد الأمن والطمأنينة إلى لبنان ويقضي على الفتنة" فكان اجماع المعارضة على رفض تجديد الولاية لشمعون، وفهم من حديثهم ان اسم الجنرال فؤاد شهاب مقبول".

وزار مورفي "شمعون ونصحه بأن لا يفكر في التجديد حتى لا يقال انه استعان بالجيش الأميركي ليجدد الرئيس لنفسه، فاعرب له الرئيس شمعون عن خيبة امله في اصدقائه الغربيين وفي طليعتهم الأميركيين وقال له: "اني احصد ثمار موقفي معكم ضد الشيوعية، وها انتم الآن تقفون مع المعارضة ضدي".

واجاب مورفي، كما يؤكد يوسف سالم، جوابا قاطعا بقوله: "لا تجديد، وانما نترك لك ياحضرة الرئيس ان تفكر في الأمر، ويبدو لي، بعد ان درست الموقف، ان اللواء فؤاد شهاب هو اصلح المرشحين في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها لبنان". لقد عانى الرئيس شمعون من صعوبات جمة لإضفاء الشرعية على حكمه، منذ بداية 1958 وحتى وصول اللواء شهاب إلى الرئاسة. فقد استقالت الحكومة التي كان يرأسها سامي الصلح في الرابع عشر من نيسان من ذلك العام، ولكن أعاد شمعون تكليف الصلح تشكيل وزارة أخرى استمرت حتى نهاية العهد في أيلول. وكانت هذه الوزارة الثانية عشرة في ست سنوات قضاها شمعون رئيساً، ليتغير في عهده أكبر عدد من الوزارات، لم يسبقه فيها سوى عهد بشارة الخوري الذي امتد تسع سنين وتغيرت فيه خمس عشرة وزارة.

يضاف إلى كل ذلك، استمرار المقاومة الشعبية في مختلف المناطق ضد حكم الرئيس شمعون، وفي ظل هذه التطورات، أثر رئيس الحكومة سامي الصلح ترك الحكم، فغادر إلى اسطنبول، دون أن يقدم استقالته، ودون أن يسلم من خلفه وهو الوزير في حكومته خليل هبري الذي صدرت مراسيم بتكليفه برئاسة الحكومة، فسجل بذلك أول سابقة في تاريخ رؤساء الحكومات، بأنه لم يسلم خلفه.

(يتبع)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل