لبنان النفطي المقاوم ـ عدنان الساحلي

الجمعة 28 شباط , 2020 10:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

خطى لبنان نحو التحول إلى بلد نفطي، مع إطلاق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صفارة بدء الحفريات البحرية، بحثاً عن الثروة الوطنية القابعة في قعر مياهنا الإقليمية. في توجه غير قابل للتأويل أو الفصل: لبنان سيصبح بلداً نفطياً ومقاوماً في آن واحد.

فمع كل ما رافق البحث عن النفط منذ عقود طويلة، لم يكن ممكناً أن يكون لبنان بلداً نفطيا، ما لم يكن مقاوماً، يحمي بقدراته قراره باستخراج ثروة واعدة، تنقله من ضفة الفقر والتسول على أبواب البلدان الغنية والواهبة، إلى ضفة البلدان الغنية التي تلبي متطلبات شعبها وتحقق له تطلعاته في العيش الكريم والحياة الرغيدة.

وفي تاريخ النفط في لبنان، نجد أن الحديث عن وجوده في البر والبحر اللبنانيين بدأ منذ أربعينيات القرن الماضي. وتكرر تأكيده في الخمسينيات. وفي بداية الستينيات، قامت شركة كندية بالحفر في محيط قاموع الهرمل، وتبين لها وجود النفط. لكنها بفعل فاعل، قامت بإقفال تلك الآبار بالإسمنت، تحت حجج مرتبكة، فمرة قيل أن البحث توصل إلى وجود النفط "لكن بكميات غير تجارية، لا تشجع على إستخراجه، لأنه لا يغطي الكلفة". ومرة قيل أن الشركة أوقفت أعمالها "لأن الزعيم الفلاني والمتنفذ العلاني أرادا حصصاً من النفط المستخرج"، في حين أن حقيقة ألأمر تفيد بأن النفوذ الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، مع ملحقاته الإقليمية، كان يمنع لبنان من إستخراج ثروته من النفط والغاز، لأسباب عديدة تتصل بأولوياته في المنطقة وبكيفية تأمين وتكريس هيمنته على دول المنطقة وشعوبها؛ ومنع دول الطوق حول فلسطين المحتلة من إمتلاك أي عنصر من عناصر القوة، بما يشكل خطراً على الكيان الذي إغتصب فلسطين وشرد شعبها.

لكن اليوم مع وجود المقاومة والحماية التي توفرها للقرار الوطني، وبوجود الرئيس ميشال عون وتمسكه بالسيادة الحقيقية والقرار الحر، بات إستخراج النفط طوع اليدين وتحت الأنظار، مع وعد متفائل بتغير حال لبنان، من وضع يثقل ظهور اللبنانيين ويدفعهم إلى الثورة، إلى وضع يحتفظ فيه لبنان بأجياله الشابة ولا يصدرها إلى بلاد الله الواسعة، بحثاً عن لقمة عيش لا تجدها في وطنها.

إن مجرد اتخاذ حكومة الرئيس حسان دياب قرار بدء الحفر، يحمل تحديات ورسائل بالغة الأهمية، لا يمكن إلا أن تسجل لها ولعهد الرئيس عون، فمنذ أسابيع قليلة كان يقال بشيء من الإستهزاء: "إنسوا أمر النفط. فاميركا لن تسمح باستخراجه". وقيل كذلك: "لا نفط ولا حفر، قبل خمس سنوات". وهذا الكلام التوهيني هو تكرار للمنطق ذاته، الذي قيل منذ أشهر عدة وسبق ترداده منذ سنوات بعيدة. ويأتي قرار حكومة الرئيس دياب في عهد الرئيس عون، تسفيهاً لهذا المنطق الإستعلائي، الذي يصر على جعل لبنان جزءاً من قطيع أتباع القرار الأميركي، الذي لا يعترف بأي مصلحة في المنطقة غير المصلحة "الإسرائيلية".

من هذه الزاوية، لم يكن لبنان مخيراً، فأما أن يختار نموذج المستسلمين، الذين بالكاد يحصلون على ثمن حراستهم لنفطهم الوطني، في حين يذهب القسم الأكبر منه جعالة و"خوة" للأميركي. وأما أن يحمي بمقاومته قراره الوطني، فيبدأ باستخراج النفط، واضعاً في حسابه أنه كما حمى هذا الإجراء التاريخي، سيحمي المراحل التالية من تصدير وتسويق وإستيفاء موارد ثروته، متحدياً سياسة العقوبات الأميركية، فالعالم ليس مزرعة أميركية. والخضوع ليس قدراً.

ولا يتسع المجال هنا لسرد الآفاق التي يفتحها إستخراج النفط أمام لبنان، لكن شرط ألا تظن طبقة "أكلة الجبنة" التي تربض على صدور اللبنانيين منذ ثلاثة عقود، نهبت فيها خيرات البلاد وثروات العباد، أن استخراج النفط فرصة لها لتواصل سرقة أموال اللبنانيين، فأخطر ما قد يواجهه اللبنانيون وعليهم التنبه له، بعد معاناتهم من حكم وتسلط الفاسدين ومن أخطار وباء "كورونا"، أن تكون أموال النفط وسيلة لإخراج الفاسدين من أزمتهم، المتمثلة بنضوب ما يمكن أن يسرقوه. فيكون مال النفط، إضافة إلى المتوقع من تشريع زراعة الحشيشة، علاجاً لإطالة عمر الفساد وأهله. وهذا لا يمكن تجنبه إلا بوضع قوانين على وجه السرعة، تضمن حماية الثروة الوطنية وعدالة توزيعها، وإزالة كل العقبات التي تمنع محاسبة الفاسد والسارق. كما تمنع وضع الخطوط الحمر أمام القضاء الحر والعادل، في ملاحقته للمرتكب أياً كان، حاكماً أو تابعاً أو صاحب نفوذ أو مال. وهذا يلقي على اللبنانيين تبعة الإستمرار بالضغط في الشارع وفي الإعلام بكل الوسائل، لحماية هذا القرار التاريخي من لصوص الداخل واطماع الخارج.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل