حين يخوض "العرب" الحرب بالنيابة عن "إسرائيل" ـ فادي عيد وهيب

الخميس 20 شباط , 2020 10:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نسمع في السنوات الأخيرة تسميات متنوعة ومصطلحات عديدة عن "الحروب الجديدة"، كحروب الجيل الرابع والخامس، وعن دول تعمل على تحديث أستراتيجيتها فى الحرب النفسية، وأخرى تنفذ مناورات وتدريبات بأسلحة حديثة على فرضية توجية ضربات إستباقية للعدو ومفاجئة للخصم، أو تقنيات حديثة في مجال الحرب الألكترونية، وكيفية زرع الفتن وصنع الحروب الأهلية في دول ما، عبر الثورات الملونة، ومع فيروس كورونا المتفشي في الصين أستمعنا وشاهدنا في القنوات العالمية عن مفاهيم وأساليب جديدة في الحرب البيولوجية وغيرها، ولكن يبقى هناك نوع من الحروب برع فيها العرب دون غيرهم الا وهي "الحرب بالوكالة"، وهي حروب يقاتلون فيها من أجل تنفيذ مصالح دول أخرى وربما تكون تلك الدول تحتل العرب أنفسهم.

ويتجلى ذلك في أحداث تاريخية هامة غيرت شكل الأقليم إن لم يكن العالم كله، ولم ينتبه العرب بأنهم يسيرون كل مرة فى الطريق المسدودة، ويصطدمون في الحائط، ومن أبرز تلك الحروب التى خاضها العرب بالوكالة، عندما أرادت الدولة العثمانية خوض الحرب مع المانيا ضد بريطانيا والحلفاء، فأنزعجت بريطانيا من أعلان الخليفة العثماني للجهاد لتأثير ذلك السلبي على القوات الأنجليزية في الهند، بحكم أرتباط مسلمي الهند بالخليفة العثماني، فعملت بريطانيا على إشغال الدولة العثمانية في حرب أخرى غير حربها ضد الحلفاء، وأن من يخوض تلك الحرب بالوكالة عنهم هم العرب فكانت الصنارة "مكماهون" المندوب السامي البريطاني، والطُعم كان التحرر من الإتحاديين الأتراك، أما السمكة فكان "الشريف حسين" شريف مكة، ولم يكن مكماهون الصنارة الوحيدة، فكان هناك توماس إدوارد الشهير بلورانس العرب وكوكس وغورو وكاترو وغيرهم من "اللورنسات" .

كان الشريف حسين يحلم فى مكة بالشرافة، ولكن أيقظه مكماهون على حلم الخلافة، فأطلق الشريف حسين بنفسة رصاصة على قلعة الأتراك في مكة معلنا الثورة ضد الدولة العثمانية سنة 1916م، وأصبح حلم نزع الخلافة من إسطنبول يحلق في رؤوس القوات العربية، فقام الأمير فيصل بنسف سكة حديد الحجاز، وأتخذ من العقبة نقطة أرتكاز لهم، ثم أخذ فيصل يتقدم ليحارب الأتراك في منطقة شرق الأردن وفرض سيطرتهم على شرق معان، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لدخول قائد القوات الأنجليزية اللورد اللنبي للقدس بكل سهولة مرددا "الأن قد أنتهت الحروب الصليبية"، ولم يكتف العرب بذلك بل خاضوا معركة أخرى ضد الأتراك في دمشق وأستولوا عليها عام 1918م ليفتح الباب بعدها أمام الجنرال الفرنسي غورو للدخول الى قبر صلاح الدين بدمشق، ليخاطبه بالقول: "لقد عدنا يا صلاح الدين"، وبذلك تكون بريطانيا استطاعت أشغال العثمانيين على أكثر من جبهة، وقطع الطريق الذي حلمت به المانيا عند تحالفها مع الدولة العثمانية أن يكون همزة وصل بين الشرق العثماني والمستعمرات الالمانية بشرق أفريقيا، وبذلك تخلص العرب من الإحتلال العثماني بمعاونة بريطانيا كي يصيروا تحت إحتلال بريطانيا نفسها، فمهد ما سبق لتعهد بريطانيا سنة 1917م بأنشاء وطن قومي لليهود وتحول الثورة الكبرى التى توحد فيها العرب لأول مرة في التاريخ منذ عهد الرسول (ص) الى خيبة كبرى، وكابوس أسمة "سايكس بيكو"، وهو كابوس أيقظنا منة البلاشفة بعد الثورة الشيوعية، وهو ما تأكد في مؤتمر سان ريمون عام 1920م، الذي تقرر فيه وضع القطاع العربي الشمالي الممتد من البحر المتوسط إلى فارس تحت الإنتداب، فوضع كل من العراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الإنتداب البريطاني، وكل من سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي. وهنا صارت المانيا النازية تسأل نفسها لماذا لا تلقي هي الأخرى بشباكها في الأراضي العربية، خصوصا أنها تحارب ضد بريطانيا وفرنسا اللتين باتتا تحتلان أغلب الدول العربية، فأتجهت المانيا لحلفاء بريطانيا السابقين وصبيانهم الجدد في مصر.

وبالفعل فما أن كتب حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" مقالة بجريدة "النذير" الصادرة عن الجماعة، يقول فيها :"علمنا أن ايطاليا واليابان والمانيا قررت أن تتجه للإسلام، وأنها سوف تدرس الإسلام واللغة العربية ولذلك علينا تشجيعهم ليتجهوا للإسلام." حتى هلل وكبر الجميع للحج "محمد هتلر"، وانطلقت شائعات مثل أن القائد النازي هتلر أشهر إسلامه، وأنه سافر الى مكة وأدى فريضة الحج ولذلك نجَّاه الله من محاولة أغتيال تعرض لها، أو أنه السفياني الذي سيمهد للمهدي، بل هناك من قال أنه "المهدي المنتظر نفسه"، وأصبح العرب يهللون ويكبرون لمن سيخلصهم من الأنجليز هاتفين "الله حيّ الله حيّ الحاج محمد هتلر جاي"، وبذلك كسبت المانيا جزءاً من العرب في صفها بفضل سذاجتنا أيضا، كحال بريطانيا وفرنسا وكل محتل ومستعمر لبلادنا، عبر نفوذ جماعة "الإخوان المسلمين" في الشارع العربي عامة والمصري والفلسطيني خاصة في ذلك الوقت.

بعد الحرب العالمية الثانية كان أمام الولايات المتحدة قوة منافسة،هي الاتحاد السوفيتي، فدخلت الولايات المتحدة الى العرب من نفس الباب الذي دخل منه كل من سبقوها، بداية من نابليون بونابرت مرورا بالانجلييز وصولا إلى هتلر، وفي تلك المرة كانت بدعوة محاربة الشيوعية الكافرة، وطبعا ما أكثر المجاهدين الذين رأوا في الشيوعية التي كانت ضد الهيمنة الأميركية وقتها كفر ويجب التخلص منها، وأصبحت بين ليلة وضحاها كل دعاوى الجهاد موجهة ضد السوفييت الذين وقفوا وحدهم مع العرب فى حربهم ضد الكيان الصهيوني.

استعان المجاهدون بالتمويل والسلاح الأميركي، وأصبحوا خنجرا في ظهر السوفييت، الى أن أصبح المجاهدون نفسهم غنيمة في يد الولايات المتحدة بعد إعلان الحرب على الإرهاب في عهد بوش، وهو ما أدى الى التدخل العسكرى الأميركي في افغانستان وباكستان والعراق بعد قطع السبوبة التى كانت دائرة بين "ماما أميركا" وصبيانها، وحصول الحكومات العربية التي أرسلت هؤلاء المجاهدين كي تتخلص من خطوراتهم أولا، وأرضاء الولايات المتحدة ثانيا، على نصيبها من الكعكة المسمومة. وقد ضرب العرب أمثلة عديدة لخوض"الحرب بالوكالة" حتى أصبح التوكيل الحصري لخوض الحرب بالوكالة مقتصرا على العرب فقط، وأصبحنا نخوضها بالتمرس، وبعد عودة الخلافة أواسط السبعينات ولكن في البيت الأبيض بواشنطن، صار "السمع والطاعة" والنفط بالمجان أيضا متى أراد الخليفة "العم سام"، وأصبح كل يوم يظهر بيننا لورانس جديد، حتى صار عدد "اللورنسات" لايحصى، والذين يأتي دورهم في المرحلة الحالية في خوض حرب نيابة عن الولايات المتحدة أيضا، ولكن هذه المرة ضد إيران، فتعزف واشنطن على وتر جديد في جيتارها الذى يتراقص علية العرب كل يوم وهو وتر الحرب الطائفية والمذهبية، فنرى التجييش والحشد باسم الدين من أجل محاربة سوريا "العلوية" (كما يزعم اعلامهم ومشايخهم)، حتى أصبحنا نرى عربا يهللون مع كل عدوان على سورية، سواء في شمالها من الإحتلال التركي أو في جنوبها من الإحتلال الإسرائيلي، وربما نسمع قريبا جدا هتافا مثل الذي قيل لهتلر ولكن سيكون بأسم خليفة المرحلة دونالد ترامب.

خلاصة القول بعد مرور مئة عام على "سايكس بيكو" مازال "اللورنسات" يتلاعبون بعقول ممالك النفط، بعد أن تمكنوا من إستبدال المعادلة الرئيسية في الأقليم الا وهي "الصراع العربي ـ الإسرائيلي" بالصراع "السني الشيعي"، وهناك الأن من العرب الذين سخروا كل أموالهم ونفطهم وغازهم لخوض تلك المعركة بالنيابة عن إسرائيل، كما هو الحال منذ2011، مع بدء تدمير سورية الحبيبة ومن ثم باقي جمهوريات المنطقة كاليمن وليبيا ومصر وتونس والسودان، ولا يخفى على أحد أن "اللورنسات" لم يعودوا يتلاعبون بأمراء النفط فقط، بل وبرؤساء أفريقيا أيضا، وزيارة رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو إلى اوغندا وما حدث في كواليسها كان خير دليل على ذلك.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل