الفدرلة ملاذ الخصخصة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 07 شباط , 2020 02:17 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

يخطىء من يظن أن بحر الكلام الإنشائي الذي طاف على وسائل الإعلام اللبنانية، رفضاً لصفقة القرن الصهيوأميركية، يمكن أن يصرف في حساب مواجهة هذه الصفقة وابعاد تداعياتها عن لبنان، بل على العكس من ذلك، إن مصالح بعض اللبنانيين تتماهى وتتقاطع مع المشاريع الأميركية و"الإسرائيلية"، في محطات وأهداف تسعى تلك المشاريع لتحقيقها، خصوصاً الهدفين الإستراتيجيين عند الأميركي و"الإسرائيلي" وهما التخلص من كل عمل أو قوة مقاومة وتفتيت المجتمعات العربية.

وإذا كان العداء لسلاح المقاومة ورفض اعتبار "إسرائيل" عدواً أو خطراً داهماً، من قبل قوى وأشخاص معروفين، هو أمر من قديم البيت السياسي اللبناني، فإن مطالبة البعض بالتحول إلى نظام فيدرالي، يحفظ ما يدعونه "خصائص" كل مكون لبناني، خرجت من خلف الجدران المغلقة وبتنا نسمعها على شاشات بعض محطات التلفزة؛ ونقرأها في أسطر مقالات كتاب مشهورين ولو بصيغة خجولة حتى الأن.

وينطلق مستعيدو دعوات التقسيم والفدرلة خطابهم، وإن تغيرت لافتاتهم السياسية، من تعداد أخطاء النظام اللبناني الذي أسسته فرنسا عام 1920، باعلانها دولة لبنان الكبير، الذي إستقل عنها عام 1943. وتأخذ من محطات فشله في تنظيم العلاقات بين مكونات الشعب اللبناني، للقول أن الحل يكون بإقامة نظام فدرالي تحتفظ فيه كل طائفة بخصوصياتها وميزاتها وحتى أموالها.

هي العقلية ذاتها، التي جعلت فاسدين يقفون على رأس حراك يدعي محاربة الفساد. وهنا بحجة تطوير النظام والتخلص من أخطائه، يجري دفع البلاد إلى الخلف، نحو المزيد من الطائفية والعصبيات، التي لا يستفيد منها إلا تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف.

هنا تجدر بنا العودة إلى رفض مراجع سياسية ودينية بعناد، تطبيق بعض أبرز بنود إتفاق الطائف، خصوصاً بند الغاء الطائفية السياسية وإقامة مجلس شيوخ، أو رفضها تخفيض سن الإقتراع إلى ثمانية عشر عاماً. وكذلك، النغمة التي تتكرر دوماً، عن أن مناطق تدفع رسوماً وضرائب أكثر من مناطق. كل ذلك يشكل لبنات لبناء خطاب يرفض السير قدماً بلبنان إلى الأمام، نحو دولة مدنية حديثة تعامل شعبها بمنطق المواطنة، لا بمنطق الجاليات الطائفية والعرقية. لكن على العكس من ذلك، يحلم البعض ويسعى للعودة إلى ما يشبه نظام المتصرفية والقائمقاميتين، وفي أحسن الأحوال، فدرلة نظام الحكم من خلال الوصول إلى لامركزية إدارية مشوهة، تتوسع لتكون غطاء لفيدرالية طوائفية واقتصادية ومالية.

ولمن يستغرب وجود مثل هذا التوجه لدى البعض، نذكر بأن كل شيء في لبنان بات مقسماً طائفياً ومناطقياً، على حساب الدولة الواحدة شكلياً. فلكل طائفة في لبنان مدارسها وتعليمها الخاص، من الحضانة حتى التعليم العالي الجامعي. ولكل طائفة طبابتها ومؤسساتها الصحية ومستشفياتها؛ وحتى مستوصفاتها التي يتماهى فيها السياسي بالطائفي. حتى أن البعض بات يلمح إلى أننا على بعد خطوات من تحويل النظام المصرفي إلى مصارف طائفية. من دون أن ننسى أن نظام المحاصصة الطائفي والمناطقي ليس وليد اليوم، بل هو ولد مع هذا النظام مصطنعاً له قاعدة يعمل وفقها هي 6و6 مكرر. ولذلك لا يخطىء القول كل من يعتبر أن نظام ما بعد الطائف لم ينجح في شيء سوى في توحيد المؤسسة العسكرية.

والخطير في هذه المرحلة، أن الذين أفسدوا في حكم لبنان ونهبوا أمواله وثرواته وأذلوا شعبه، إلى درجة محاولة تحويله إلى شحاذين على أبواب الفاسدين، باتوا يجدون في الفدرلة ملاذاً لهم، يهربون إليها بأموالهم وبحماية "قطعانهم" الطائفية، كي لا تتم محاسبتهم، حتى لو كان ذلك تحت دخان حريق داخلي، يسعى التحالف الأميركي و"ألإسرائيلي" لإشعاله فيحقق به هدفين هامين له: ضرب المقاومة في لبنان، أو إشغالها في أسوأ الأحوال.

والإستمرار في مخطط تقسيم الدول والكيانات العربية، بما يكفل بقاء وتعاظم قوة الكيان الصهيوني في المنطقة، قائدا وآمراً لها؛ وهو الذي يواجه خطراً وجودياً هذه الأيام بفعل صمود محور المقاومة والتضحيات الجسام التي يحقق بها إنتصارات تقلق الأميركي و"الإسرائيلي" وكل من يسير في ركابهما.

هي قوى ثلاث تلتقي مصالحها على فكرة التقسيم والفدرلة: الحلف الأميركي-"الإسرائيلي"، التقسيميون التقليديون والفاسدون الذين نهبوا أموال اللبنانيين؛ وهم يسعون لإستثمارها في شراء مؤسسات الدولة ومرافقها بأبخث الأثمان، عبر مشاريع الخصخصة والتشاركية. وما هي إلا أيام حتى يعود الموفدون الأميركيون إلى بيروت ومعهم إملاءاتهم السياسية والإقتصادية والمالية ومعها التهديد، فاما الإذعان، أو الإنتقال من الحرب الإقتصادية الناعمة، إلى حروب النار والفتن التي أحرق بها الأميركي المنطقة برمتها واستطاع لبنان بقوة مقاومته النجاة منها حتى الآن.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل