حانت المقايضة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 31 كانون الثاني , 2020 11:50 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بدأت أصوات لبنانية تروج للقبول بما تسميه "فوائد" صفقة القرن الصهيو-أميركية، التي أعلن خطوطها العريضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، في تماه لبناني سيتظهر أكثر فأكثر، مع الوقت، لقوى لم تمتلك الجرأة على الإنضمام الفوري إلى قافلة المشاركين في هذه الجريمة القومية والإنسانية، التي ترتكب بحق فلسطين والعرب والمسلمين والمسيحيين؛ وبحق كل حرّ في هذا العالم، فكان الموقف الرمادي سبيلاً للإنضمام الهادىء واللاحق بموكب المصفقين لهذا "الإنجاز الترامبي"، الذي طاول كل المعنيين بالصراع العربي- الصهيوني ب"خوة" فرضها لصالح إدارته ولصالح الكيان المغتصب لفلسطين، في وقت تحضر فيه الحكومة اللبنانية الجديدة بيانها الوزاري، الذي يتمحور حول خطة للإنقاذ الإقتصادي من وضع مترد أطاح بالحكومة السابقة.

هي ذاتها القوى التي طالما نادت بحياد لبنان في الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، أو بالنأي بالنفس عما يجري حولنا ويؤثر في حياتنا. وهي القوى التي عرف عنها تجاهلها للخطر "الإسرائيلي" وعدم اعتبارها وجوده السرطاني الخبيث والغريب المزروع في منطقتنا، خطراً يهدد حاضرنا ومستقبل أجيالنا. وهي ذاتها القوى التي اختارت لنفسها دور الذيل والتابع للسياسات الأميركية، التي تصر إداراتها المتعاقبة على قيادة العالم بمنطق القوة وبجبروت التسلط والإملاء، خصوصاً اولئك الذين ارتضوا أن تكون مصائرهم وحياة شعوبهم لعبة في أيدي الحاكم الأميركي وأداة يستعملها في مخططاته العدوانية.

هذه القوى تريد جر لبنان إلى الإنخراط في المشروع الأميركي من باب الحاجة إلى المال والمساعدات. وطالما كتب عديدون تنبيهات وتحذيرات في هذا المجال. وعلت أصوات تحذر من لعبة إغراق لبنان في الديون، منذ أن حلت لعنة "الحريرية السياسية" في لبنان. فكانت حجة "إعمار ما دمرته الحرب" ستاراً للسطو على أموال اللبنانيين وأملاكهم وثرواتهم. وهذه "الحريرية السياسية" ليست مقتصرة على شخص بحد ذاته، بل هي تشمل كل من تشارك وتواطأ معه في عملية النهب المنظم، التي طالت جنى وتعب اللبنانييين طوال العقود الثلاثة الماضية.

تلعب هذه القوى لعبة الترغيب بالمساعدات التي ستخصص للقابلين بمندرجات هذا المشروع؛ والتي ستدفع من جيوب وخزائن مشايخ النفط والغاز. كما تلعب لعبة الترهيب بتفاقم أزمة لبنان الإقتصادية والمالية، التي ما كان لها أن تكون وأن تتفاقم، لولا سياسة النهب والإستدانة التي ميزت عهود الحكومات الحريرية مع من حالفها، للوصول إلى إجبار اللبنانيين على القبول بما لا يمكن قبوله في ظروف غير معتلة.

هؤلاء، هم أنفسهم الذين ما زالوا يتعلقون بوعود وقروض مؤتمر "سيدر"، مع كل ما تفرضه من شروط ومطالب اقتصادية وإملاءات سياسية. ويروجون اليوم للإتجاه نحو قروض ومساعدات "صندوق النقد الدولي"، التي ما اعطيت لبلد إلا وترافقت مع حزمة إملاءات "إصلاحية" دمرت اقتصاده وزادت من فقر الفقراء فيه ومن غنى أصحاب الثروات، الذين تسببوا، بجشعهم وتبعيتهم لقوى الرأسمال العالمي، التي تقودها قوى صهيونية، بالأزمات التي جرتهم إلى الحاجة لقروض صندوق النقد.

وإذا ما تمعنى بالمطالب المعروضة على لبنان، إن كان عبر شروط مؤتمر "سيدر" أو تلك التي أوصلها الموفدون الأميركيون والأوروبيون، أو التي اعتاد صندوق النقد فرضها، نجد أن المصالح اللبنانية برمتها، ليست ذات قيمة ولا تؤخذ بالإعتبار. وهي تهمش الشخصية اللبنانية وتتجاهل حقوقها كشعب وسلطات ومؤسسات، لتكشف خداع المتحدثين عن السيادة والإستقلال، فيما هم يرهنون قرار لبنان السياسي والإقتصادي للخارج.

من هنا يبدأ حساب اللبنانيين مع حكومة الرئيس حسّان دياب. من زاوية الإصلاح المالي والإقتصادي. فقد أشبع اللبنانيون كلاما عاماً في السياسة والشعارات التي تشبه البيانات الوزارية، التي لا يطبق منها إلا ما بين السطور. والرؤية المالية وكيفية إصلاح ما خربته الحكومات السابقة هي المعيار، لأن الإستمرار في سياسة الإستدانة أو الشحاذة والتسول من هنا وهناك، تعني بقاء السياسات الريعية المخربة السابقة. في حين أن التوجه نحو سياسة الإنتاج والحفاظ على ثروة لبنان من عقول وسواعد أجياله الجديدة بدل تهجيرها، يرسم مساراً يعد بتغيير  يتوجه لبناء وطن يعيش فيه شعبه؛ وليس مزرعة لزعماء الطوائف والإقطاع المالي، أو ملهى على الشاطىء يسر العابرين ويستغل المواطنين.

والأخطر، أن إختيار البقاء أسرى سياسة الإستدانة، تعني بوضوح، أننا في مقايضة نتوجه فيها للقبول بمطالب أميركا و"إسرائيل" في صفقة القرن وخارجها، أي أننا نتوجه للقبول بالتوطين وبالإعتراف بيهودية فلسطين دولة للصهاينة، مقابل المساعدات المالية. في حين أن التوجه نحو خيارات معاكسة في السياسة والإقتصاد، تعني أننا قررنا الدفاع عن حقوقنا في أرضنا وثروتنا وفي تمسكنا بالحق العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير في أرض الأباء والأجداد.

هو إصلاح مالي واقتصادي يريده اللبنانيون، من نزل منهم إلى الشارع ومن ما زال يعطي الحاكمين فرصة قبل أن تقوم "ثورة جياع" ومعها "ثورة كرامة"، لن تكون ثورة زعيق وصراخ وخيم إعتصامات كما شاهدنا، بل ستكون ثورة حقيقية يحصل اللبنانيون فيها حقوقاً يرفض الفاسدون والنهابون التوقف عن التطاول عليها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل