ما بين الأردن وصفقة القرن ... قرارات جريئة ـ فارس أحمد

الثلاثاء 28 كانون الثاني , 2020 02:21 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قبل أن تدق ساعة الصفر بقرب إعلان ما يسمى "صفقة القرن"، لا بد لنا أن نعرّج على أقرب المقربين لنا، وهنا أقصد المملكة الأردنية، ونبحث بمواقفها الداخلية والخفية عن هذه الصفقة، لا سيما أن الأردن جغرافيا مرتبط بفلسطين، وديمغرافيا أكثر من نصف الشعب الأردني من أصول فلسطينية.

عمّان باتت على اطلاع كامل بتفاصيل صفقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكانت المملكة قد أبدت مرونة حيال الصفقة خلافاً لمواقفها السابقة، وتتحضر لاتخاذ سلسلة من "القرارات الداخلية الجريئة" خلال الفترة القادمة.

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والحلقة الضيقة من المسؤولين حوله باتوا على علمٍ بتفاصيل خطة "السلام" الأميركية منذ أسابيع فقط، ما يفسّر حديث الملك إلى قناة "فرانس 24" مؤخراً لدى سؤاله عن الصفقة، بأن الأردن سينظر إلى النصف الممتلئ من الكأس وكيفية البناء على الخطة.

ولا بد لنا أن نسأل هل هذا الموقف الأردني الجديد حيال الصفقة، يعني الموافقة على كل ما تتضمنه، أم انه بمثابة ردّ على تعهدات من الولايات المتحدة للأردن، بعدم تعريض مصالح البلد السيادية للخطر، وعدم المسّ بـ"الوصاية الهاشمية في القدس"، ما يعني أن التفاصيل الجديدة تتضمن بنوداً مختلفة عمّا أعلن عنه في وقت سابق من العام الماضي.

وهنا تبرز علامة إستفهام كبيرة، على موافقة عمان من عدمها بإعلان واشنطن قريباً تأييدها ضم إسرائيل لغور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، مع عدم المسّ بالوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى.

وعلى قاعدة استيعاب الصدمات، يبدو القرار الأردني اليوم مبرراً، فلم تعد عمّان قادرة على الصمود أكثر في وجه هذا التسارع السياسي المُلفت، خصوصاً مع تحسس غرف صنع القرار الأردني مآلات الانتخابات الإسرائيلية المقبلة التي تشير إلى إعادة نتنياهو إلى الواجهة الحكومية مجدداً.

وهنا نرى أن الأيام المقبلة حُبلى بقرارات جديدة وجريئة تتماشى مع التغيير في الموقف الأردني حيال صفقة القرن، وأن الإعلام الأردني الرسمي سيبدأ بالترويج للمرحلة الجديدة وتداعياتها قريباً، حتى يمتص صدمة الشارع الذي رفض مؤخرا صفقة الغاز الإسرائيلية.

ولنستذكر شيئ من الماضي، ففي العام 1988 قام الملك الأردني الراحل حسين بن طلال بإتخاذ قرار يقضي بفك الإرتباط والذي أفضى إلى إنهاء ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع الأردن، حيث كان يُعرف هذا الارتباط باسم "وحدة الضفتين".

 وإذا ما اُتخذ مثل هذا القرار مجدا، فإن ذلك يعني إعادة المواطنة الأردنية لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وفيما يرى مراقبون أن هذا القرار يعني "استسلام الأردن أمام نهاية حل الدولتين، والتسليم بالأمر الواقع"، لتسوّق السلطات الأردنية للقرار المُتوقع على أنه "سيادي"، وهذا قد يبقي على نفوذ أردني محدود في الملف الفلسطيني، ويمنع مصادرة أراضي الضفة الغربية مستقبلاً.

على الأرضِ، تبدو بعض القرارات الأخيرة كأنها توطئة أردنية لوضعٍ جديدٍ في القضية الفلسطينية، حيث اتخذت الحكومة الأردنية سلسلة قرارات ناعمة مرَّت بهدوء ودون صخب، لكنها تحمل في طياتها تماهياً مع الموقف الأردني الجديد من صفقة القرن، من قبيل تجديد وثائق وجوازات المقدسيين الأردنية عبر مكتب معتمد للأحوال المدنية الأردنية في القدس، فضلاً عن تجميد سحب الجنسيات من المواطنين الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية، وصولاً إلى قرارات اقتصادية بتنمية المدن والأطراف والتوسّع فيها عمرانياً وإستكمال تمرير صفقة الغاز مع إسرائيل .

و بتنا نرى اليوم أننا أمام أردن جديد يُعاد إنتاجه، والظروف الموضوعية في المملكة ماهي إلا تهيئة لتموضع جديد، ولا يجب أن نسقط من حساباتنا أن هناك تيار إسرائيلي جديد  لديه أجندة لـ"تغيير الأردن"، وإعادة إنتاجه للقبول بما هو قادم، وهذا الأمر يبدو جليا خصوصا مع تصريحات رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز قبل أيام، التي قال فيها إن البلد لا يمكن أن يعزل نفسه عن المنطقة التي تعيش أحداثاً متسارعة، ما يتطلب أن نعدّ أنفسنا لسيناريوهات مختلفة، على مستوى المنطقة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل