حق المرأة في اختيار زوجها - فضيلة الشيخ علي جمعة

الإثنين 20 كانون الثاني , 2020 03:41 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات فكرية

 

حق المرأة في اختيار زوجها

 

ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق اختيار كل منهما للآخر، ولم يجعل للوالدين سلطة الإجبار عليهما، فدور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكوراً وإناثاً- على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء.

فالزواج يعتبر من خصوصيات المرء، وإجبار أحد الوالدين ابنته على الزواج بمن لا تريد محرم شرعاً، لأنه ظلم وتعد على حقوق الآخرين، فللمرأة في الإسلام حريتها الكاملة في قبول أو رد من يأتي لخطبتها، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على من لا تريد، لأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تقوم على القسر والإكراه، وهذا يتناقض مع ما جعله الله بين الزوجين من مودة ورحمة.

وهذا الحكم المستقر دلت عليه نصوص كثيرة من شرعنا الحنيف، ووقائع فعلية تبين للعالم كله كيف تعامل الرحمة المهداة، إمام العالمين- صلى الله عليه وسلم- مع المرأة ووليها في تحد واضح لكل نظم الجاهلية التي تظلم المرأة، وأثبت حقها في اختيار زوجها، وأبطل زواج من حاول إجبارها حتى وإن كان ذلك الشخص هو الأب، ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة لعادات العرب وقتها، فكان ذلك امتحانا لقلوب المؤمنين بأن يرضوا بالشرع الحنيف الذي يكرم المرأة، ويحترم إرادتها واختيارها، ويتبرءوا من كل النظم التي تهين المرأة وتحتقرها وتظلمها.

فجاءت النصوص النبوية الشريفة في هذا الباب كلها تؤكد هذا الحق، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن». قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت» كما كان ينصف صلى الله عليه وسلم من تأتى تشتكى إجبار أبيها لها على الزواج. كما ثبت ذلك في سنته صلى الله عليه وسلم حيث ورد: «أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» «أخرجه أحمد في مسنده».

وروي أن رجلاً زوج ابنة له وهي كارهة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن- وذكرت كلمة معناها- أبي زوجني رجلاً وأنا كارهة، وقد خطبني ابن عم لي. فقال: «لا نكاح له انكحي من شئت» «أخرجه النسائي»، وعن خنساء بنت خدام قالت: أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر، فشكوت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تنكحها وهي كارهة» «أخرجه النسائي».

واهتمام الإسلام بقضية الاختيار بين الزوجين هو في الحقيقة اهتمام بالنواة الأساسية المكونة للأسرة، فبداية الأسرة برجل وامرأة اجتمعا على قدر كبير من التفاهم، مما يؤثر في الأسرة عندما تكبر وتتعدد أطرافها، والأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وعلى هذا الأساس السليم تنشأ الحضارات وتعلو القيم.

ويشهد لأهمية المرأة في تكوين المجتمع المسلم قول أمير الشعراء أحمد شوقي:

 

        الأم مدرسة إذا أعددتها  ... أعددت شعبا طيب الأعراق

 

وكما أعطى الإسلام المرأة الحق في اختيار زوجها أعطاها الخيار في البقاء معه أو فراقه عندما تسوء العشرة بينهما، ولا يمكن التوفيق والصلح، ولهذا شرع الطلاق لمصلحة المرأة والرجل على السواء.

فمن المفاهيم الشائعة عن الإسلام ونظامه في الأسرة أن الرجل وحده هو الذي يملك حق إنهاء العلاقة الزوجية، وهو وحده صاحب قرار الطلاق، وأن المرأة لا تملك هذا الحق، والحقيقة غير ذلك تماماً، فإن التشريع الإسلامي في نظامه الفريد أعطى المرأة حق إنهاء العلاقة الزوجية، كما أعطى للرجل ذلك، وجعل لإنهاء العلاقة الزوجية من قبل المرأة عدة أشكال، فللمرأة الحق في أن تشترط على زوجها أن تكون العصمة بيدها- بمعنى أن أمر الطلاق لها فتطلق نفسها وقتما تشاء- وفي هذه الحالة تطلق المرأة نفسها وتستحق جميع حقوقها، وكأن الزوج هو الذي طلقها، فلا ينقص من حقها شيء، ولها كذلك أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها للضرر، إذا لحقها منه ضرر بالغ فيفرق بينهما القاضي، وتستحق كذلك جميع حقوقها دون أي نقصان، ولها كذلك أن تختلع، وفي هذه الحالة فقط تنفصل المرأة عن الرجل، ولكنها تتنازل عن حقوقها لعدم وجود سبب لإنهاء العلاقة الزوجية، فليس من العدل حينئذ تغريم الرجل بالمستحقات، وهو متمسك بالعشرة بينهما.

وقد دل على صور تخيير المرأة في قرار الانفصال نصوص كثيرة منها، ما روي عن ابن عباس، أن زوج بريرة كان عبداً يقال له مغيث: كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكى ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: «يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثاً؟»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أرجعته؟»، قالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع» قالت: فلا حاجة لي فيه. «البخاري»، وذلك لما علمت أن كلامه ليس أمراً، وإنما هو مشورة تخيرت تركه، حيث كان من حقها تركه بعد أن أصبحت حرة.

وجاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أنى لا أحبه، فقال صلى الله عليه وسلم: «فتردين عليه حديقته؟»، فقالت: نعم، فردت عليه حديقته، وأمره ففارقها. «البخاري». هذا إيضاح موجز لحرية المرأة في ظل حضارة الإسلام باحترام حقها في اختيار زوجها واحترام إرادتها إذا أرادت فراق زوجها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل