تعظيم أوامر الله وشرف مناجاته - الحبيب عمر بن حفيظ

السبت 04 كانون الثاني , 2020 03:21 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات فكرية

 

 تعظيم أوامر الله وشرف مناجاته

 الحبيب عمر بن حفيظ

 

إنَّهُ الله، يا تَابِعَ الهوى، يا مُعَظِّمَ أنْظِمَةَ مَخلُوقين مِثْلَه، يا مُعَظِّمَ قوانينَ قَوْمٍ خُلِقُوا مِنَ النُّطَفِ مِثْلَهُ وَيَرْجِعُونَ إلى هذا الإله، ربُّك أعْظَم، وإلَهُكَ أكْبر، فاحْتَرِم أمرَهُ وقُم بهِ، واحْتَرِم نَهْيَهُ وانْزَجِر عَنْهُ وابْعُد، قَبْلَ أنْ يكون عندك انْدِفَاعٌ لامْتِثالِ أيِّ أمْرٍ انْظُر إلى أمْرِ اللهِ الذي خَلَقَ فامْتَثِلْهُ وقُمْ بِحَقِّهِ كَما ينبغي لك في الظَّاهِر والباطِن.

وقَبْلَ أنْ تَنْدَفِعَ بَأيِّ وَسِيلَةٍ إلى البُعْدِ عَنْ أيِّ مَنْهِيٍّ عنهُ مِنْ قِبَلِ الحُكُوماتِ ومِنْ قِبَلِ الأحْزَابِ ومِن قِبَلِ الهَيْئَات: انْظُر إلى نَهْيِ ربِّ السَّماواتِ والأرض، الحاكِم يومَ العَرْض، فانْتَهِ عَمَّا نَهاكَ: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}، {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}؛ لا تَأكُلْ مما لم يُذْكَرِ اسْمُ الله عليه؛ كُل مما سُمِّيَ الله عليه، كُلْ مما ذُبِحَ باسْمِ الله، وكُلْ مِنْ ما أبَاحَ اللهُ لَكَ باسْمِ الله تعالى في عُلاه، وكُلْ طَعامَ الأصْفِياءِ والأتْقِيَاءِ والأسْخِياءِ؛ فإنَّهُ لكَ دَواءٌ ونورٌ لِقَلْبِك.

فلا أعْظَمَ في الأوامِرِ مِن أمرِ الله، ولا أعَظَمَ في النَّوَاهِي مِن أمرِ الله ، فَلْنَمْتَثِل ما أمَرَنا، وَلْنَجْتَنِب مَا نَهَانا عَنْهُ جلَّ جلاله، ولنا بِذَلِكُمُ العِزُّ والشَّرَفُ والْكَرَامَةُ والخَيْرُ في الدُّنْيا والآخِرَة مِن قِبَلِ ربِّ الدُّنيا والآخِرَة، ومالِكِ الدُّنيا والآخِرَة، والُمتَصَرِّفِ في الدُّنيا والآخِرَة؛ إنَّكُم تَتَعَجَّبُونَ في تَصَرُّفَاتِ وتَخْطِيطاتِ مَن هُم في قَبْضَتِهِ، ومَن هُم تَحْتَ يَدِهِ، ومَنْ هُوَ خَلَقَهُم، فَكَيْفَ تَنْسَونَ مَن خَلَقَكُمْ وخَلَقَهُمْ؟!، وأوْجَدَكُم وأوْجَدَهُم؟!

هُوَ أهْيَب، هُوَ أعْظَم، هُوَ أكْبَر، وَهُم لا يَتَصَرَّفُونَ في أيِّ مَسْلَكٍ إلا تَحْتَ قُدْرَتِهِ، وَتَحْتَ أَمْرِهِ جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، وأحَدُهُم عن أيِّ مشروعٍ مِن مَشارِيعِهِ يَصْرِفُهُ بِخَطْرَةٍ، ويصرفُه بِنَظْرَةٍ ويصرفُه بِوَجْعٍ في صَدْرِهِ وبِألَمٍ في كَبِدِهِ وينتهي المسألة؛ الأمْرُ لَهُ، والملْكُ لَهُ، والحُكْمُ لَهُ، والمرْجِعُ إليه .

أنْتَ رَاجِعٌ إليهِ، فاذْكُرْهُ قبْلَ الرُّجوعِ بالخشوعِ والخضوع، تَحُوزُ الخَيْرَ هُنَا وهُناك، وإلا فلَنْ تُغْنِيَك نَفْسُك ولا صديقُك ولا صاحبُك، ولا ثَرْوَتُك ولا قَبيلتُكَ ولا حِزْبُك ولا حُكومَتُك؛ كُلُّهم عَبِيدُه، كلُّهم في قَبْضَتِه، كلُّهم تَحْتَ حُكْمِه، وهو الله، مَجِّدهُ، وَحِّدهُ، قُلْ: لا إلهَ إلا الله، واحْمَدُه على ما هداك ، ما أعطى هذه الكَلِمة كُلَّ أحَد وأعطاكَ إيَّاها، اسْأله أنْ يُحقِّقَكَ بها ويُثبِّتَك عليها ويَتَوفَّاك عليها، ويَحْشرَك في زُمْرَةِ أهْلِها، فاحْمَدِ الله وقُلْ: الحمد لله، وبالِغ في تَقْدِيسِهِ وتَنْزِيههِ وتَسبيحِه، وقل: سُبْحانَ الله ، واعْلَم أنَّهُ: الأجَلْ.. الأكْرَم.. الأفضل.. الخالِق: البارِئ.. المصوِّر، فَكبِّرْهُ تَكْبِيراً، وقُلْ: اللهُ أكبر.

وإذا حَلَّت هذه الحَقيقةُ في قلْبِكَ عِشْتَ الحياةَ الطيبة، المُشار إليها بقولِ الرَّب: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وتعيشُ لذَّةَ الإقْبَالِ على ربِّك سُبحانَهُ وتعالى في خُضُوعٍ تَامٍّ لَه، وإذا بالنَّفْسِ وشَهَواتِها وإبليس مُتَصَاغِرين مُتَذَلِّلين أمامَك، ولَقَد قالَ الله لِرَأسِهم إبليس: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً}.

 يا نِعْمَ الوكيل ويا نِعْمَ الكَفِيل توكَّلنا عليك فاكْفَلَنا وادْفَع عَنَّا شَرَّ عَدوِّك وشَرَّ النُّفوسِ الأمَّارَةِ، وزَكِّها لنا يا رب، آتِ نُفُوسَنا تَقْوَاها، وزَكِّها أنتَ خُيْرُ مَنْ زكَّاهَا، أنتَ ولِيُّها ومَوْلاها، يا الله يا الله يا الله.

قُلْهَا، ثَبَّتك الله عليها، قُلْ: الله أكبر، عسى أنْ يَلُوح لكَ سَنَا نورِها عند الغَرْغَرَة، وساعةَ المخْرَجِ مِن هذهِ الدنيا فَتُثَبَّت على: لا إله إلا الله.

ولن تَطُولَ السَّنَواتُ حتى لا يبقى بيتٌ مِنْ بيوتِ الأرْضِ كلِّها إلا دَخَلَهُ دينُ هذا النَّبي محمد، وأُذِّنَ فيه بالله أكبر وَأشهد أن لا إلهَ إلا الله وَأن محمداً رسول الله، وفي ذلك رحمةٌ الله لعبادِه، وتَكْثيرُ أنْ يُحْشَرَ مَن يُحشَرُ في زُمْرَةِ المؤمنينَ فيَردِونَ على الحوضِ المورُود؛ فإذا باهَى الأنبياءُ بِأُمَمهِم كانت مُبَاهاةُ نبيِّنا أكبرَ وأوْسَع.

اللهمَّ وسِّع هذا النِّطاقَ، واكْفِنا شرَّ مَن ساءَت منهم الطَّبائِعُ والأخلاق، وحَوِّل أحوالَ المسلمينَ إلى أحْسنِ حال، يا كبيرُ يا متعال، يا الله.. يا الله..

أنتَ تقولُ: يا الله، وهو يسمَعُكَ، وملائكتُه يكتبونَها لك، ثُم تُثْبَت في صحيفتِك، ثم تُقابَل بها عند موتِك وفي قبرِك ويوم القيامة.. ما هذه النِّعَمة! شَرَّفتنا بندائِكَ يا رب فلكَ الحَمْد، وكلُّنا نقول لكَ مِن قلوبِنا وأرْواحِنا وأجزائِنا وكُلِّيَّاتِنا: يا الله، نِداء المسْتَغِيث.. المُستَرحِم.. المُستَكِين المْسْتَجير بك مِن نَفْسِهِ ومِن هَوَاهُ، ومِن شياطينِ الإنسِ والجِن، ومِن كُلِّ القواطِع والعَوَائِق يَفِرُّ إليك، ويَهْربُ إليك، ولا ملْجَأ ولا منجأ مِنْك إلا إليك، ونقولُ لنا ولإخوانِنا: يا الله، لحياتِنا نقولُ لكَ: يا الله، ولِوَفَاتِنا وحالَةِ كُلِّ واحِدٍ ساعَةَ وفاتِهِ مِنَّا نقولُ لكَ: يا الله. نقولُ لكَ: يا الله؛ لأنَّهُ ما غَيْرُك يُنْقِذْنا، ما غيرُكَ يرْحمنا، ما غيرُكَ يكونُ لنا في تِلكَ السَّاعات، وساعة مَقْبَر ومَدْفَنَ كُلِّ واحِدٍ مِنَّا نقولُ لكَ لِتِلْكَ السَّاعة: يا الله، وإذا تَعَرَّضْنا لِمَسْألةٍ في القَبْرِ أو يومَ القيامةِ نقولُ لكَ: يا الله رَحْمَتُكَ تَسَعُنا، وعَفْوُكَ يَشْمُلُنا، وتَجاوزُكَ يُنجِّينا، ومُسَامَحتُكَ بها نَسْلَمُ مِن العذابِ الأليم، ورحمتُكَ بها ندخلُ الجنَّة، فأدْخِلْنا جنَّاتِ النَّعيمِ مَعَ الأوائل، مِن غيرِ سَابِقَةِ عذابٍ ولا عتابٍ ولا فِتْنَةٍ ولا حِسَابٍ يا الله، وللميزانِ وللصِّراطِ، ولاسْتِلامِ الكُتُبِ والصُّحُفِ يومَ القِيَامَةِ، ولِسَاعَةِ العَرْضِ عليكَ،  نقولُ لكَ لِكُلِّ ذلك:  يــا الله.. يـــا الله.. يــا الله، كُنْ لنا في تِلْكَ المواقِف كُلِّها.

 

جزء من محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ

 بدار المصطفى/ حضرموت - اليمن

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل