"حُجِّية السُّنة النبوية" - فضيلة الشيخ محمد علي جمعة 

الإثنين 30 كانون الأول , 2019 03:27 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات فكرية 

 

حجية السنة النبوية

الشيخ العلامة محمد علي جمعة 

 

السنة في اللغة هي السيرة المتبعة، والطريقة المسلوكة، وهي الأنموذج الذي يحتذى والمثال الذي يقتدى. ويختلف مدلول السنة بين علماء الشريعة الإسلامية تبعا لنوع العلم الذي يتناول تعريفها، فقد كان تعريف السنة موضع اهتمام علوم الشريعة الإسلامية وخاصة علم الحديث، وعلم الأصول، وعلم الفقه، وعلم العقيدة.

فعلماء الحديث يرون أن معنى السنة واسع يشمل: كل قول أو فعل أو إقرار، حقيقة أو حكمًا، سيرة أوصفة، خَلقية أوخُلقية حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام، قبل البعثة وبعدها. وعلماء الأصول يرون أنها ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. وعلماء الفقه يطلقون السنة ويريدون بها المندوب، أي غير الفريضة من الأعمال التي طلبها الشارع، إلا أنهم يفرقون بين المندوب والسنة، فالمندوب يشمل ما ندب إليه الشارع سواء ثبت في السنة أو من استقراء أصول الشريعة. وعلماء العقيدة يطلقون السنة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أصول الدين، وما كان عليه من العلم والعمل والهدى، وقد تطلق السنة أيضا بمعنى الدين كله.

ويعتقد المسلمون أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله، والبعْدية هنا في الفضل، أما في الاحتجاج فحجية السنة كحجية الكتاب، وإفادة العلم بأن ذلك صدر من الشارع طالما أنه قد تواتر، أما الآحاد فله حجية التشريع إن صح ولم يعارض المتواتر من السنة والقرآن وأصول الشريعة، ولكنه مع ذلك يفيد الظن ولقد دل القرآن الكريم، والسنة النبوية نفسها، والإجماع على أن السنة مصدر أساسي في التشريع الإسلامي.

ففي القرآن الكريم كثير من الآيات التي تؤكد على حجية سنة النبي صلى الله عليه وسلم في التشريع، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وفي هذه الآية دليل على أن السنة النبوية وحي من الله تعالى، وقد سماها ربنا الذكر، وطالما أن السنة النبوية هي الذكر الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم فإنه قد حفظها كما أخبر - سبحانه - بذلك في قوله - تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وفيها دليل على حفظها بما ألهم الله أتباعه من توثيقها وابتكار العلوم التي حفظتها إلى يومنا هذا.

ومن الآيات التي تؤكد على حجية السنة قوله سبحانه: {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، وقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}، ومنها قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا}. وقوله تعالى: {فلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقوله سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}.

 فدلت تلك الآيات على حجية كلام النبي وفعله، وضرورة الالتزام به، لأنه صدر من الوحي، ونفس المشكاة التي صدر منها القرآن الكريم.

وقد دلت الأحاديث النبوية على حجيتها من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".

 فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم على أن ما يقوله من السنة هو مثل القرآن في الاحتجاج به، ويؤكد ذلك المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله".

 فينعي صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة التي تريد هدم الدين بحجة التمسك بالقرآن وحده، ويحذر من هذا المسلك منذ بداية الأمر.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".

وقريب من ذلك المعنى ما روي عن حسان بن عطية قال: "كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن".

أما الإجماع فقد أجمعت الأمة على حجية السنة، وتتبعنا آثار السلف ابتداء من عهد الخلفاء الراشدين فمن بعدهم، ولا يعلم مخالف في ذلك من المسلمين على الإطلاق. وفي سلم الوصول: «الإجماع العملي من عهد الرسول إلى يومنا هذا على اعتبار السنة دليلا تستمد منه الأحكام، فإن المسلمين في جميع العصور استدلوا على الأحكام الشرعية بما صح من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في وجوب العمل بما ورد في السنة»

مما سبق يتبين وجوب الاحتجاج بالسنة والعمل بها، فالمستغني عنها هو مستغنٍ في الحقيقة عن القرآن، وأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله وعصيانه عصيان لله تعالى، وأن العصمة من الانحراف والضلال إنما يتحقق بالتمسك بالقرآن والسنة جميعاً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل