رياح التشكيل غالبة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 27 كانون الأول , 2019 11:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

  تميل كفة الموازين المحلية والخارجية إيجاباً، حتى الآن، لصالح نجاح رئيس الحكومة المكلف حسان دياب في تشكيل حكومته الأولى، خصوصاً في ظل قرار التسهيل والتيسير المتخذ من جانب الكتل النيابية الداعمة لتكليفه، وهي المقدر لها إعطاء حكومته الثقة في مجلس النواب وتأمين العدد الكافي لعبوره الآمن في البرلمان، في حين يقف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، مع من بقي له من حلفاء، حجر العثرة الأساسي، الذي يعترض هذا التشكيل ممارساً الضغط في الشارع عبر اللعب على وتر التحريض الطائفي والمذهبي.

وأصبح من الواضح أن الكتل النيابية باتت موزعة على ثلاثة إتجاهات: كتل داعمة لتكليف دياب، تسهل له عملية التأليف؛ وكتل تربط هذا الدعم بمشاركتها في الحكومة عبر ما بات يعرف بالتكنوسياسي، أي بوجود ممثلين لهذه القوى من التكنوقراط المسيس، خصوصاً أن أحداً في لبنان ليس بعيداً عن السياسة وعن تبني توجهات سياسية معينة. وكتل أعلنت مسبقاً رفضها التعاون مع دياب تشاوراً وتأليفاً.

هذا الواقع النيابي، لا ينسينا وجود الحراك الشعبي ومطالبه الإجتماعية والمعيشية المحقة، التي تستهدف الفساد والفاسدين في الدولة. وإن كان تسلق قوى سياسية على ظهر هذا الحراك أحرق كثيراً من أوراقه وجعله محشوراً في زاوية الإتهام، ليس أقلها أن بعض الفاعلين فيه، خدمة لأجندات خارجية، يسعون للفوضى وليس لإصلاح السلطة والإدارة. أو أن بعضهم تحركه شهوات الوصول السهل إلى الوزارة والنيابة، مما يضع هؤلاء حكماً في خانة معرقلي تشكيل الحكومة، وفي صف المعارضين لوجودها من الأساس، إضافة إلى أن القوى السياسية والحزبية التي اختارت أن تكون معارضة، فهي موجودة بقوة وهي الأكثر فعالية داخل هذا الحراك، المفترض أن يكون صادقاً مع نفسه وشعاره "كلن كلن"، في حين أن الواقع يبين غير ذلك، خصوصاً في إمساك قوى حزبية لساحات الإعتراض ومسؤوليتها عن قطع الطرقات.

يبقى البارز هو ما يقوم به الرئيس الحريري، الذي يحركه عاملان: عامل الندم على تقديم إستقالة حكومته وتضييع فرصة بقائه في السلطة، بعدما تبين له أن داعمه التقليدي أي المملكة السعودية تخلت عنه. وكذلك عدم تمسك الأميركيين بوجوده في السلطة. والعامل الثاني، هو خسارته الرهان على نجاحه في فرض شروطه للبقاء على رأس الحكومة، أو لتشكيل حكومة جديدة.

فالحريري في تحريكه لشارعه الطائفي يستعمل، أو يحرق آخر أوراقه. وكأنه يلعب، حسب تعبير المقامرين، "صولد"، فاما أن يفرض وجوده وشروطه غير المقبولة من معظم الأطراف والقوى السياسية، وأما يخرج مهزوماً من عالم السياسة، بعدما خسر أمواله وشركاته إثر رفع الغطاء المالي والسياسي السعودي عنه.

حتى فرنسا التي تحولت من "أم حنون" لموارنة لبنان، إلى "أم حنون" لآل الحريري، لم تعد في وارد لعب هذا الدور، ليس تعففاً، بل لأن الفرنسي، كما جميع الأوروبيين، يستشعر أن أي تصعيد في لبنان، لأي سبب كان، يعني أن مئات آلاف اللبنانيين والسوريين النازحين في لبنان، سيركبون البحر ووجهتهم الدول الأوروبية، هرباً من أخطار هذا التصعيد.

وحسب أفضل رهانات جماعة التصعيد في لبنان، وتحديدا سعد الحريري، فإن الأميركي ليس في مرحلة دفع، بل هو يجمع غلاته من أموال دول الخليج النفطية. وهو غير مستعد ليضحي من أجل أحد، أياً كان. وما كنا نسميها "الإمبريالية" باتت في آخر أيامها، بل إنتهت مع ظهور التوازنات العسكرية والإقتصادية العالمية الجديدة. والأميركي حسب تعبير أحد العارفين، يبيع "وهرته" هنا وهناك. وهي لا تنفع في وجه الذين قرروا المواجهة والصمود.  

وما يقال عن الأميركي، يقال عن تابعه السعودي، فمملكة الوهابية باتت بفعل سياسة محمد بن سلمان "الإنفتاحية" ملهى كبيرا، بل مرقصاً يتحدى الماجنون فيه قدسية الجغرافيا والتاريخ. ومعظم مشايخ السعودية المعروفين باتوا في سجون آل سعود. وولي العهد لم يوفر أقاربه من السجن والإذلال، الذي طال رئيس حكومتنا المستقيل سعد الحريري. فالمملكة حالياً مدينة بعد أن نهبها دونالد ترامب؛ وصرفت مدخراتها في عدوانها على شعب اليمن.

كما أن المملكة مرتبكة سياسياً وفكرياً وتائهة في خياراتها وهي، كما الأميركي والأوروبي، لا تفيد سعد الحريري بشيء، مما يساعد حسان دياب على الصمود في وجه تظاهرات "المستقبل" وضغوطه. ويجعل الحريري يلعب آخر أوراقه، مع ترجيح خسارة مؤكدة لمن أخطأ في معظم حساباته.   


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل