فوز المحافظين .. وداعاً اوروبا وعودة الى "البلفورية" ـ يونس عودة

الثلاثاء 17 كانون الأول , 2019 09:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم تكن الانتخابات التشريعية لمجلس العموم البريطاني حدثا عابرا في تاريخ المملكة المتحدة الحديث , فهي تعكس استعادة الغلو والشوفينية البريطانيين  على المستويين القومي والسياسي كنتاج موضوعي للخطاب الشعبوي الذي اعتمده زعيم حزب المحافظين -رئيس الوزراء بوريس جونسون - وهو الخطاب نفسه الذي اطاح بسلفه في الحزب والحكومة ,تيريزا ماي التي كانت تدور الزوايا قليلا في خطاب الكراهية , وتقدم نفسها بصورة تقارب التعقل .

لقد تعرض غريمه السياسي التاريخي - حزب العمال -الى اقسى هزيمة له منذ العام 1935 اي قبل الحرب العالمية الثانية , حين كان النفوذ البريطاني على مدار الكرة الارضية نسبيا بحيث وصف استعمارها بانها "المملكة التي لا تغيب عنها الشمس".

هناك اسباب عدة وراء هزيمة حزب العمال بقيادة جيريمي كوربن , ابرزها اثنان ,احدهما داخلي , والاخر خارجي ,اما  المستوى الداخلي ,وراء الهزيمة كان الانقسام داخل الحزب بشأن الخروج من الاتحاد الاوروبي - المسمى "بريكست",وبالتالي فان انتصار المحافظين الساحق بالارتكاز على الخطاب الشعبوي المخاطب للغرائز الذي اعتمده جونسون , سجل ضربة مروعة لاوروبا ليس لخروج بريطانيا حصرا , وانما ما سيلي ذلك من خطوات ستطيح بالاتحاد كمؤسسة بنيت لبنة لبنة برموش العين كنموذج لتعايش الشعوب المتعددة القوميات واللغات ,  وهو ما عبر عنه جونسون بعد الفوز بتأكيده الخروج من الاتحاد الاوروبي  بعبارة قال “سأنهي كل هذا العبث وسننفذ بريكست في موعده في 31 كانون الثاني”.والعبارة القاسية التي وردت على لسان رئيس الوزراء الايطالي السابق تعكس المستقبل المنتظر للقارة,,"وداعا لاوروبا".

لقد اعتبرت أصوات من داخل حزب العمال، عقب إعلان النتائج، أن شخصية زعيم الحزب لعبت دورا أساسيا في النتائج المخيبة. وتعتقد هذه الأصوات أن خلفية رئيس الحزب، جيرمي كوربين، اليسارية، أثارت مخاوف شريحة من الناخبين البريطانيين.سيما ان الهزيمة الاخطر للحزب كانت في المعاقل التاريخية له سواء في وسط وشمال بريطانيا وشمال مقاطعة "ويلز"التي يكن سكانها الاصليون ضغينة للبريطانيين, لا بل لا زالوا ينظرون اليهم كمستعمرين . 

وتعزز النتائج السلبية التي حققها حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي يدعو إلى الاستمرار في الاتحاد الأوروبي، فكرة أن الناخب البريطاني، خصوصا في المناطق التي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، عاقب جميع الأحزاب التي أبدت تأييدا للبقاء في الاتحاد الأوروبي أو غير القاطعة بضرورة مغادرته.

كما أظهرت نتائج الانتخابات نجاح الحزب القومي الاسكتلندي في إحكام سيطرته على مقاعد اسكتلندا بعدد 48 مقعدا، في حين حصل حزب المحافظين على 6 مقاعد والعمال على مقعد واحد.

اما السبب الخارجي , فهو تحميل كوربن المسؤولية لاهتمامه بالسياسة الخارجية غير الممالئة للصهاينة الذين اتهموه بمعاداة السامية بسبب انتقاداته لممارسات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني , ودعوته ايضا لمحاربة الامبريالية , وهوتعرض لحملة شرسة منذ عشر سنوات لاعلانه عن لقاءات مع "اصدقاء" من حركة حماس وحزب الله , وقد نشطت الحملة قبل نحو سنة وصولا الى الانتخابات وخلالها على السنة قادة الاحتلال في المنظومة السياسية من خلال اتهامه بمعاداة السامية .

رغم الهزيمة , اعلن كورين انه "فخور بالحملة التي خضناها" , واعتبر ان "النتيجة كانت ضربة لكل من يحتاج بشدة الى تغيير حقيقي في بلادنا".

لقد واكب الرئيس الأميركي دونالد ترامب صديقه بوريس جونسون بقرار خطير تمثل بتوقيعه قانون يلزم وزارة التربية والتعليم الأميركية بتفسير اليهودية بشكل فعلي على أنها عرق أو قومية، وليس فقط ديانة. وسيجبر ذلك الحكومة الأميركية على "وقف تمويل كليات وجامعات تفشل في مواجهة التمييز ضد طلابها اليهود".

إلا أن منتقدي الخطوة يرون أن تعريف معاداة السامية المستخدم في الأمر – الذي تمت صياغته في الأصل من قبل “التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة” في عام 2016 – من شأنه الحد من حرية التعبير في الجامعات والكليات الأميركية وقمع حقوق منتقدي إسرائيل في التعبير عن آرائهم.

 أعرب الكثيرون قبيل مراسم التوقيع،عن خشيتهم من أن يقوم الأمر بتعريف اليهود باعتبارهم قومية.وقال الحاخام جاك مولين، رئيس منظمة "تحالف الأديان": هذا المسرح السياسي لن يأتي بنتائج عكسية فحسب، بل هو يعرّض للخطر الأشخاص الذين يزعم مؤيدوه بأنه يدافع عنهم”.و“مع احترامي لصناع القرار الذين كتبوا هذا الامر الإداري، فإن المجتمع اليهودي لا يحتاج للرئيس ترامب لتحديد من هم اليهود في قانون"، وأضاف أن “الرئيس يغير وضع اليهود بطريقة مصطنعه لأغراض سياسية".

 واتهمت منظمات يهودية ترامب باستخدام كليشيهات معادية للسامية بعد أن قال في كلمة ألقاها في مؤتمر مؤيد لإسرائيل إن اليهود الأمريكيين سيصوتون له لحماية ثرواتهم. في الخطاب نفسه، قال أيضا إن بعض اليهود لا يحبون إسرائيل بصورة كافية.

وقالت المديرة التنفيذية ل”المجلس اليهودي الديمقراطي في أمريكا”، هالي سويفر، “إنه حقا مفتعل حرائق يحاول العمل كرجل إطفاء”.

لقد كان الاحتفال الاسرائيلي بفوز جونسون لافتا , اذا لم نقل بانه اشبه باحتفال بوعد بلفور المشؤوم فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ,قال "مبروك صديقي بوريس جونسون على فوزك التاريخي، إنه يوم عظيم لسكان المملكة المتحدة ولصداقتنا".ورئيس الكنيست يولي أدلشتاين قال إنه "انتصار كبير لصديق إسرائيل بوريس جونسون في بريطانيا، وهزيمة مجيدة للمنافس المعادي للسامية، كورين، ولكارهي "إسرائيل".

بالتزامن، قال رئيس حزب أزرق أبيض بني غانتس: "أهنئ رئيس الحكومة بوريس جونسون، صديق حقيقي لإسرائيل، على فوزه الحاسم. لا شك لي أنه بقيادته سنواصل تعزيز العلاقات الاقتصادية، الأمنية والثقافية بين بريطانيا وإسرائيل".

 ان فوز جونسون وحزبه بنسبة 65 بالمئة من من مقاعد مجلس العموم اي 365 مقعدا ,سيجعل بريطانيا امام تحول انطوائي على الداخل ,لتعزيز الشوفينية , بينما ستكون سياسته الخارجية عدوانية تجاه الشعوب الساعية للانعتاق من الاحتلال، وإلى الحرية والسيادة ,, ولن تكون القضايا العربية الا برؤية بلفورية انتقلت روحها الى بوريس جونسون.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل