الحريري يقود المعارضة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 01 تشرين الثاني , 2019 04:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

هل كتب سعد الحريري بتقديم استقالة حكومته، آخر سطر من حياة الحريرية السياسية، التي صعدت إلى السياسة على سلم الوعد بالإعمار وإزالة آثار حرب السنتين، فيما الواقع كان مضاربة على الليرة أطاحت بحكومة عمر كرامي، ليتاح للراحل رفيق الحريري الإنضمام إلى نادي رؤساء الحكومات.

وكانت النتيجة إعماراً غارقا في الفساد لا يذكره أحد بخير؛ وديوناً بلغت عشرات مليارات الدولارات يعجز لبنان عن تسديد فوائدها؛ وضائقة إجتماعية وإقتصادية يعاني منها اللبنانيون، تدفع أجيالهم الشابة إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل وحياة تليق بالإنسان.

خطوة الحريري كانت مفاجئة لمن ظن أنه سيسكت عن منعه من فرض الضرائب على فقراء اللبنانيين والموظفين والمتقاعدين، لقاء مواصلة سياسة الإستدانة عبر قروض مؤتمر "سيدر"، الذي يدفع نحو تعميق السياسة الحريرية النيوليبرالية، ورسم لها خطوطاً سياسية تشترطها السياسة الأميركية في المنطقة العربية، خصوصاً في ما خص الرفض الأميركي المطلق لآي عمل عربي مقاوم ضد الكيان "الإسرائيلي" الذي غزا فلسطين وشرد أهلها. والذي ما زال يحتل أرضأ لبنانية وينتهك السيادة اللبناينة يومياً في البر والبحر والجو. والماساوي في الأمر، أن هذه الديون الجديدة لا تلحظ أي صرف إستثماري، بل كلها موجهة لتمويل الهدر والسرقات التي ميزت الحكومات الحريرية منذ ولادتها.

الساذج وحده، يرى أن الصدفة هي التي دفعت وزير الإتصالات محمد شقير المحسوب على الحريري، للتآمر مع الوزير القواتي غسان حاصباني وتقديم إقتراح للحكومة بفرض رسم غير قانوني على مكالمات الخلوي عبر تطبيق "واتس أب". فهذا الإقتراح الذي يصيب كل اللبنانيين، أثار غضبهم مجتمعين، فأتاح الفرصة لمن خطط لهذا الأمر أن يختطف ردة فعل الناس ويحولها من غضبة على الفاسدين، إلى شغب وإقفال طرق دفاعاً عنهم ومطالبة بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة.

الحريري قبل يوم من استقالته، أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون أنه لن يستقيل.

 كما أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري، عبر الوزير علي حسن خليل، أنه سيعقد إجتماعاً للحكومة نهار الأربعاء، لكنه إستقال الثلاثاء، في حركة واضحة لإستغلال حركة الشارع وركوب موجة الغضب ضد الفساد، لكن من قبل من؟ فالحريري ومن سبقه من رؤساء حكومات "تيار المستقبل" هم رؤوس الهدر والفساد ومراكمة الدين العام ومخالفة القوانين للصرف بلا رقيب ولا حسيب من أموال الشعب اللبناني!

تحمس اللبنانيون وتفاعلوا مع حركة الشارع، لكن سرعان ما ظهرت أمامهم اللعبة الرخيصة مكشوفة. ما أن عاد المواطنون غير المسيسين إلى منازلهم، حتى بان لهم أن حراك الشارع يدار من قبل قوى 14 آذار مع بعض جمعيات ما يسمى "المجتمع المدني"، التي يتراوح تمويلها بين السفارات الأميركية والألمانية والسعودية والقطرية وغيرها. إضافة إلى بعض أجنحة "الحزب الشيوعي" الذي شهد عام 2005 إنقساماً عامودياً واليوم يشهد الإنقسامات ذاتها.

"حزب القوات اللبنانية" الذي لا ينسى اللبنانيون استقدامه النفايات السامة وطمرها في شننعير واللقلوق، مقابل مئات ملايين الدولارات؛ كما لا ينسون جرائمه وعمليات الإغتيال التي نفذها والتي تطول لوائحها. برز باعتباره الطرف الأساسي والأقوى في "الثورة" المزعومة على الفساد. والأنكى أن الإقطاعي وليد جنبلاط أيد الحراك ضد الفساد. فهل هناك من يقول هزلت حتى توقف النفس؟ وهل هناك من يسأل لماذا تجاهل "الثائرون" ضد الفساد، زعماء الفساد وأملاكهم وبيوتهم ومؤسساتهم واكتفوا بمحاولة إثارة فتنة في بعض قرى الجنوب؟

"تيار المستقبل" لم يكن بعيداً عن الإحتجاجات، حيث شاركت مجموعات منه في الاعتصامات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح منذ بدايتها. وكان تبرير المحيطين بالحريري "أن هؤلاء منشقون عن المستقبل، يتبعون لفؤاد السنيورة ونهاد المشنوق!" فهل هناك عاقل يصدق أن تيار "سوكلين" و"سوليدير" و"سوكومي" و"أوجيرو" وشركات الخلوي، الذي نهب عشرات مليارات الدولارات من أموال وأملاك اللبنانيين، هو الذي ينتفض ضد الفساد في نظام هو يقوده، بعدما إنتزع اتفاق "الطائف" الصلاحيات من رئيس الجمهورية إلى الحكومة مجتمعة، وتمكن الحريري الأول والثاني، من جمع الصلاحيات بيديه وحده، بفعل سياسة رشوة السياسيين ومرقلي تمرقلك، إضافة إلى وجود سبعين إدارة ومجلساً ومؤسسة عامة في الدولة، تخضع لسلطة رئيس الحكومة، فمن يصدق أن الفساد الموجود لا ينبع من السراي وساكنه.

يريد الحرير ومعه حلفاؤه من قوى 14 آذار، التي ظن كثيرون أنها تفككت، فاذا هي كامنة، الإنقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت منذ عامين. والتي خسروا فيها الأكثرية النيابية لصالح "حزب الله" وحلفائه. بهدف الإستمرار في سياسته الراسمالية المتوحشة والحصول على دعم مالي وقروض خارجية جديدة، مقابل الإنقلاب على رئيس الجمهورية الذي جن جنون الأميركيين وهم يرونه يؤكد على حق لبنان في المقاومة. كما لم يصدقوا أعينهم وهم يرون وزير خارجيته يقف الموقف ذاته ويؤكد على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم. وهذا من محرمات المؤامرة الأميركية-الإسرائيلة"- السعودية على سورية. وبالتصويب على العهد تتم إصابة حليفه الأساسي حزب الله.

ظن أصحاب المخطط أنه قادرون على اللعب على عقول اللبنانيين. لكن لم يتوقعوا أن يطرد أبناء الأحياء المتضررة من إقفال الطرق والساحات قاطعي الطرق خلال ساعة واحدة. فاسقط بيد الحريري واضطر إلى إنعاشهم بدفع جمهور "تيار المستقبل" علناً إلى الشارع، في مخاطرة قد تدمر البلد وتشعل حرباً أهلية، لا يتورع عنها من يرى في البلد مجرد بقرة حلوب، فيما هو مجرد مستثمر لا علاقة له بقيم رجل الدولة وحرصه عليها.

المعلومات شبه المؤكدة تشير إلى أن المسافة بين الإستقالة وبين إعادة التكليف، لن تكون ضيقة. وأن لا مجال للدعسات الناقصة ولا إعطاء تكليف على بياض لأحد. وأن شروط الحريري التي يدعمها بالتحرك في الشارع وإقفال الطرق، لن تنجح في إعطاء الأميركيين والسعوديين، وقبلهم "الإسرائيلي"، إي جائزة في لبنان تعوض لهم الهزائم والفشل على مستوى المنطقة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل