سد النهضة مشروع تنموي لإثيوبيا أم مخطط للي ذراع مصر؟ ـ فادي عيد وهيب

الخميس 31 تشرين الأول , 2019 09:19 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

فى أول تصريحات له بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام، صرح رئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد خلال جلسة إستجواب له بالبرلمان الأثيوبي يوم الثلاثاء الموافق 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، قائلا: "يتحدث البعض عن أستخدام القوة من جانب مصر، ونحن نؤكد على أنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء سد النهضة، وأن كان هناك ثمة حاجة لخوض حرب فيمكننا حشد الملايين، وإذا تسنى للبعض إطلاق صاروخ فيمكن لآخرين أستخدام قنابل، لكن هذا ليس في صالح أي منا"

وبعد تلك التهديدات الصريحة من رئيس وزراء أثيوبيا ضد مصر، والتى جاءت لتكلل سلسلة مواقف متصلبة من الجانب الأثيوبي ضد أى مقترح مصري بخصوص سد النهضة فى السابق، كان علينا أن ننظر بعمق لحقيقة ما يحدث، ومن هو أبي أحمد الذى هلل له البعض كونه أول رئيس وزراء مسلم لهذا البلد، كما هللوا للرئيس الاميركي السابق باراك حسين اوباما بإفتراض أنه مسلم، مع العلم أن أبي أحمد ليس مسلما أيضا.

كما بات المشهد يطرح سؤالا صريحا وهو من أين أتت أثيوبيا بتلك الجرأة التى تصل الى درجة التبجح، بل وتعدتها بمراحل فى الكثير من اللقاءات التى كانت تجمعها مع وفود مصرية لبحث حلول لما سيتسبب به سد النهضة من تهديد على أمن مصر المائي.

فالحاصل علي جائزة نوبل للسلام جاء أول تصريح له بعد فوزه بالجائزة عن خوض حرب ضد مصر، والحقيقة لم تمنح جائزة نوبل لرئيس الوزراء الأثيوبي من أجل دوره فى تحقيق السلام مع إريتريا (التى كانت سبب حصوله على جائزة نوبل للسلام)، فكانت حقيقة تلك المصالحة بأمر من واشنطن تم تنفيذه على طاولة أبوظبي، كذلك جاء دوره الأقوى فى المصالحة السودانية استغلالاً لرهان مصر الخاطئ هناك بعد أن راهنت حتى اللحظة الاخيرة على عمر البشير، وهو الدور الذى جاء على حساب الحضور المصري فى السودان، فرئيس الوزراء أبي أحمد لم يأت للكرسي الجالس عليه بالصدفة أو برغبة شعبية فقط،  فنوبل لم تمنح لمسلم أو عربي أو أفريقي تقريبا الإ مكافأة لتنفيذه ما يخدم مصالحهم (مصالح الصهيونية العالمية، وأستمرار نفوذ المستعمر القديم الأوروبي فى القارة السمراء)، وتأملوا معي تلك الاسماء التى حصلت على نوبل وخلفيتها.

الكيميائي احمد زويل حصل على نوبل في 1999، بعد المشاركة فى مشروع تطوير منظومة الصواريخ الإسرائيلية بأستخدام الليزر، قبل أن يحصل على جائزة "وولف برايز" الإسرئيلية عام 1993، التى سلمها له الرئيس الإسرائيلي حاييم وأيزمان بنفسه داخل الكنيست.

مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي حصل على نوبل في أكتوبر2005 بعد خراب العراق2003، وكتلميعة له امام الرأي العام العالمي وفى الداخل المصري كي يكون هو فيما بعد أيقونة الفوضى فى الربيع العبري بمصر 2011.

الرئيس أنور السادات برفقة مناحم بيجن 1978بعد التوقيع على معاهدة السلام المعروفة بأسم كامب ديفيد وما يترتب عليها حتى الأن.

الاديب نجيب محفوظ في 1988 كان أكثر وأول الأدباء العرب تحيزا للتطبيع مع أسرائيل.

وأخرا نجوم الربيع العبري، منحت"نوبل" لكل من اليمنية التركية توكل كرمان بعد تدمير اليمن 2011، ولجنة الحوار التونسي الوطنية الرباعية 2015.

تاريخ محاولات جذب القوى المعادية لمصر للدولة الأثيوبية للي ذراع مصر كان منذ عقود وليس وليد اليوم، فمع بداية الخمسينات كانت الولايات المتحدة تعمل على صنع نظام شرق أوسطي تستطيع فيه دمج إسرائيل، بجانب صنع أنظمة تابعة لها بالإقليم كي تخوض حرب بالنيابة عنها ضد الإتحاد السوفيتي.

وجاءت أولى المحالاوت فى مارس 1953 عندما جاء وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون فوستر دالاس الى القاهرة، لفهم عقلية النظام الجديد في مصر بعد ثورة يوليو، وهنا قال السفير الأميركي بالقاهرة لوزير خارجية بلاده بأن الرجل القوى فى النظام الجديد هو شاب يدعى جمال عبد الناصر وليس محمد نجيب، فطلب دالاس عقد أجتماع معه، وعلى الفور عمل السفير الاميركي على عقد ذلك الأجتماع، حيث أجتمع كل من وزير الخارجية والسفير الاميركي وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وعرض وزير الخارجية الأميركي على عبد الناصر الإنضمام لحلف ثلاثي يضم كلا من أنقرة (الأكثر تحضرا بين العواصم الإسلامية) وكراتشي (الأكثر كثافة سكانية بين العواصم الإسلامية) والقاهرة (الأكثر عراقة بين العواصم الإسلامية).

فسأله عبد الناصر: وما سبب إنشاء ذلك الحلف، وسيواجه من؟

فأجابه دالاس قائلا: بتأكيد ضد الخطر الشيوعي.

فرد خالد العرب كيف تريد أن أرى خطراً مزعوماً على مسافة أربعة آلاف كيلومتر، ولا أرى خطراً حقيقياً على مسافة مئة كيلومتر (اسرائيل)؟

وهنا أنتهت مهمة دالاس بالفشل فى مصر وبعدها عزمت الإستخبارات البريطانية والأميركية على التخلص من جمال عبد الناصر سواء على يد أذرعها فى الداخل (الأخوان المسلمون) أو شن حروب ضارية على مصر بكافة الجبهات.

الا أن اليأس لم يصب فوستر دالاس من تنفيذ مشروعه بصنع تحالف شرق أوسطي يخضع لواشنطن، حتى جاء البديل للقاهرة من بغداد، وتم إنشاء “حلف بغداد” عام 1955 والذى ضم إلى جانب المملكة المتحدة العراق وتركيا وإيران الشاه وباكستان، ولكن كان عمر “حلف بغداد” قصيرا، بعد أن أسقط عبد الكريم قاسم النظام الملكي بقيادة نوري السعيد بعد ثورة تموز 1958 التى أطاحت بالمملكة العراقية الهاشمية التي أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية.

وهنا أرسل بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني للرئيس الأميركي أيزنهاور رسالة يقول فيها: "إنه لمن الخطأ الفادح أن تفكر الولايات المتحدة بإقامة حلف في الشرق الأوسط يرتكز على أي عاصمة عربية، إن الشرق الأوسط لكي يحظى بالأستقرار وبالولاء للغرب يجب أن يرتكز على ثلاث عواصم دون غيرهم، وهي أنقرة وتل أبيب وأديس بابا ".

ولم يخيب دوايت أيزنهاور رأي بن غوريون، وفى العام التالي من أنهيار حلف بغداد أي فى عام 1959 تم توقيع أتفاقية “الرمح الثلاثي” بين إسرائيل مع تركيا وإيران الشاه وأثيوبيا، وهي الإتفاقية التى أستخدمت فيها إسرائيل كلا من تركيا وإيران الشاه وأثيوبيا كرمح فى وجه الأمن القومي العربي، فمن خلال تركيا سيطرت إسرائيل على نهر دجله والفرات للتحكم فى العراق وسوريا، ومن خلال أثيوبيا هددت إسرائيل أمن مصر والسودان المائي بنهر النيل.

واليوم الأميركي واليهودي يحاولون فرض معادلة جديدة في المنطقة منذ عام 2011م، وللاسف هي تسير فى تقدم مستمر لتحقيق المخطط التوراتي القديم الجديد المسمى إعلاميا اليوم بـ "صفقة القرن"، ولكم أن تتخيلوا كم المليارات التى ضخت داخل الإقتصاد الأثيوبي في الأعوام الأخيرة، وهو أمر يكشف بوضوح المخطط الذى يراد عبر تلك الدولة ومن المستهدف، وتذكروا كيف كان يسعى الصهيوني لدمج تلك الدولة فى معادلة كبار الأقليم للجم كل العرب منذ منتصف القرن الماضي كما ذكرنا.

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل