لو أن النيران تحرق "الفتن" وتطهر الألسن ـ أحمد زين الدين

الخميس 17 تشرين الأول , 2019 12:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أكثر من مئة حريق اندلعت في لبنان بين تشرين وتشرين، كشفت خلالها كل عورات الدولة والسلطة السياسية، وتقاعسها، وقلة حيلتها، وتبارى السياسيون في كيل الاتهامات، وصب جام غضبهم، على التخلف والفساد والهدر والمحسوبيات، ولم يتركوا نكرة إلا ورموها في وجه بعضهم البعض، وإلقاء المسؤولية هنا وهناك وهنالك، من دون أن نفهم كلمة أو جملة مفيدة عن هذا الواقع المر الذي يلتهم مابقي من مساحات خضراء في هذا البلد المعذب المكتوي بأن يدفع لكل ممثل للأمة أجره إلى أبد الأبدين، وفق قوانين انتخابية عرجاء ومشوهة، فصلت في كل مرحلة منذ عام 1925حسب الحاجة والطلب والغاية لبقاء البلد رهينة الوصايات والمصالح وفئة معينة اطلق عليها في كل مرة تسميات مختلفة.

هي كانت تسمى قبل أيلول 1920 وإعلان الجنرال الفرنسي غورو قيام لبنان الكبير جماعة القناصل، وبعدها جماعة الانتداب أو جماعة الانكليز أو جماعة فرنسا، ثم تطور الأمر بعد الاستقلال، إلى الإقطاع السياسي ومن ثم الطغمة المالية، وسلطة ال4بالمئة، وتحولت بعد الطائف إلى واحد بالمئة.

ودائما وابدا كانت تلقى عليها صفات القبائل أو العشائر السياسية والمذهبية والطائفية التي تزحف نحو ((القناصل)) في كل الأتجاهات.

أكثر من مئة حريق شبت في القليل المتبقي من المساحات الخضراء في البلد، كشف عجز هذه الطبقة السياسية بشكل فاضح، وربما أيضا كشف عجزنا نحن الناس - المواطنون الذين تتآكل مداخلينا، وكأن جرادا أدميا أتى على جيوبنا، ولما يشبع بعد، فيعدوننا بمزيد من الضرائب، وهكذا فهم يريدوننا أن نعالج فقر الدم والجوع بالصيام، وتراجع فرص العمل، بالصبر.

لايهم أن يشرد على سبيل المثال لا الحصر 450موظفا من بنك الجمال، بما يعني تشريد 450عائلة، حتى أن الأمر لايهم حاكم مصرف المصارف، إذ ما أن اخذ السيد الأميركي قرار الاعدام ليلا، حتى كان صاحب الهندسة المالية التى وزع من خلالها 6مليارات دولار على المصارف ينفذ قرار الأمبراطور((الأعظم))، دون أن ينبث ببنت شفة، وكأنه أميركي أكثر من السيد الأميركي نفسه.

دعونا من هذا الاستطراد والواقع الأليم، ولنعود إلى حرائق البساط الأخضر أو ما تبقى منه؟!

"هذه دولة أكثر هشاشة من أن تحل مشكلة القمامة، وهي لو استطاعت لحولت القمرإلى مكب للنفايات، هذه دولة لاتصلح طرقاتها حتى للبغال، ألا تليق بنا، والحال هذه، ثقافة الطنابر"، على حد قول زميلنا نبيه البرجي.

مرة جديدة، لنعود إلى ثقافة ((الحرائق))؟

دعونا نسأل مع وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، أين هي طوافات السيكورسكي، المخصصة لإطفاء الحرائق وعددها ثلاث.

الجواب يامعالي الوزير قلته وأوضحته أنت، هذه "الطوافات، كانت هبة ولم تكلف الدولة قرشا واحدا وشملت الصيانة لثلاث سنوات وتدريب الطيارين"

وتضيف يا معالي الوزير: أن الطوافات استعملت على مدى3 سنوات.

إذا، هنا المسألة، هذه الطوافات هبة، انتهى الأمر، لم يعد أي سبب للعجب؟!

في عهد أمين الجميل، تم شراء طوافات البوما على أساس أنها فرنسية، لكن الجيش اللبناني، اكتشف بالصدفة وهو يغسلها أنها رومانية، (أقتضى التوضيح).

بعد1992، وفي ظل محادثات مدريد ثم اتفاقية أوسلو ، اعتقد قادة المرحلة أن السلام قاب قوسين أو ادنى فتوسعوا في المشاريع والدين العام الذي اعتقدوا أن السلام الموهوم وما فيه من توطين وإكراميات سيغطيه.. وهكذا بدأت ارقام الدين والعجز تصيرفلكية.

 ببساطة،  يوم الحرائق كان طويلا ومفجعا ذهب ضحيته الاف وربما عشرات ألاف الأشجار، ومنها الكثير المعمر، ومئات العائلات المنكوبة التي حوصرت بالنيران، وملايين وقد يكون مليارات الدولارات خسائر، والمفجع أن كثيرا من سياسيينا وقعوا في لعبة الاستهلاك الإعلامي فزايدوا وطنيا ومذهبيا واجتماعيا، وسقط البعض منهم في فخ الانفعال والتحريض، فهل يعتذر هؤلاء منا نحن الناس الذين تمنينا لو كنا نصاب بالصم أو العمى.. من يعتذر من الناس؟!.

 منذ قامت هذه الدولة على يد الجنرال غورو، وقبلها بزمان في عهد القائممقأمتين عام 1841، ثم في عهد المتصرفية 1864، ثم في عهد الطائف ومابعد، ونحن دولة اللادولة، موزعون بين المحاور وبين الطوائف والمذاهب، ويبدو أننا نستحق أن نكون ضحايا لأكلة لحوم البشر، وإلا هل يمكن لأحد أن يفهمنا عن مليارات سياسيينا وعن تراكم الدين العالم وكيف صرف في البلد منذ1992 أكثر من 300 ملياردولار ، ومازلنا نعيش في العتمة.... وصرنا نترحم على مطارنا العتيق الذي اندثر، أين ساعة الزهور في ساحة الشهداء في وسط بيروت ؟!

حمى الله لبنان


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل