لبنان : من الإستدانة إلى "الشحادة" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 11 تشرين الأول , 2019 09:55 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

هل وصل الأمر برئيس الحكومة سعد الحريري إلى الحد الذي بات يدور فيه على الدول "للشحاذة" باسم لبنان، حسب وصف أكثر من جهة إعلامية وسياسية، فيما عشرات مليارات الدولارات مكدسة في حسابات رجال السياسة والمال اللبنانيين، إقتنصوها من المال العام ومن تعب اللبنانيين وخزينتهم، التي ما فتئت تضخ لهم الثروات منذ ثلاثة عقود، تاريخ بدء توريط لبنان بالديون بحجة إعمار ما هدمته الحرب.

ليس ذلك فحسب، بل تتكدس مليارات مماثلة من الدولارات في حسابات مصرف لبنان. هذا غير ثروة الذهب التي يمتلكها لبنان وتقدر بما بين 13 إلى 16 مليار دولار (287 طناً)، ثلثا الكمية مخزن في ولاية كنتاكي الأميركية. ويخشى مصادرتها بواسطة القوانين الأميركية من قبل الدائنين، على الرغم من صدور القانون 42 للعام 1996 الذي منع فيه مجلس النواب اللبناني التصرف بهذا الذهب لا بيعاً ولا رهناً.

الخطير في هذا الشأن، أن زيارة الرئيس الحريري إلى الإمارات العربية، رافقها حديث عن "وديعة" إماراتية سترسل إلى مصرف لبنان، لكنها مشروطة بفائدة بقيمة 13 % أو بضمانة الذهب اللبناني. وهذه أولى بوادر الخطر على هذا الذهب، مما ينبىء بأن مشروع الحريرية السياسية قد وصل إلى خواتيمه في إغراق لبنان بالديون ثم في دفعه إلى الإفلاس، تمهيدأً لوضع اليد عليه من قبل المصارف وباقي الدائنين، خصوصاً أن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان تملك معظم تلك المصارف والقسم الأكبر من ودائعها. وذلك في تكرار موسع لما جرى لأملاك أهالي بيروت من قبل شركة "سوليدير".

وللتذكير، فإن سياسة توريط لبنان بالديون بدأت مع إيحاء صريح بان سدادها سيتم بالسياسة، عبر الإنضواء في سياسة "السلام والتطبيع" مع العدو "الإسرائيلي"، التي كانت جارية في ذلك الوقت. في حين تجري اليوم عملية تكبيل لبنان بالديون المشروطة، ليس فقط

لإفقاره وإفلاسه، بل لإلزامه بشروط سياسية وإقتصادية تتراوح بين "النأي بالنفس"، الذي يعني الخروج من الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، الذي ما يزال يحتل أرضاً لبنانية ويعتدي يومياً على سيادة لبنان براً وجواً وبحراً. وبين وضع يد "المستثمرين" على ما تبقى من أملاك ومؤسسات الدولة، وفق ما تقترحه ورقة الرئيس الحريري الإقتصادية؛ وتربط بها قروض مؤتمر "سيدر"، التي يبدو أنها أصبحت بعيدة المنال، لأن شروطها السياسية والإقتصادية غير قابلة للتطبيق حتى ألآن، فلا الحكومة في وارد القيام بإصلاح حقيقي، عبر مد يدها إلى أموال الذين أثروا من الهدر والسرقة والفساد، فهي أضاعت فرصة حدوث الأزمة النفطية (التي يبدو أنها لم تحل فعلياً)، لتتولى وزارة الطاقة استيراد المحروقات مباشرة من دولة لدولة، مثلما تنص الإتفاقات مع الكويت والجزائر، فتوفر بذلك خمسمائة مليون دولار سنوياً، هي حصة السماسرة الذين هم سياسيون ومسؤولون. ولا بإمكان الحكومة، في الوقت ذاته، مواصلة استضعاف اللبنانيين وقضم رواتبهم ومدخراتهم وزيادة الضرائب الفاحشة على مصروفهم اليومي ولقمة عيشهم.

وللتذكير كذلك، فإن وعود السلام التي رافقت بدء الإستدانة، طالت الشعب المصري سابقاً، في أكبر عملية خداع يتعرض لها شعب طيب، تضمنت تلويحاً بتحويل مصر إلى بلد غني وجعل سيناء جنة خضراء. وساهم الإعلام اللبناني الممول خليجياً بحملة التضليل تلك، حيث كانت تفرد بعض الصحف صفحات عديدة لخرائط وتفاصيل المشاريع المزمعة وصور مجسمات الإنجازات الموعودة. إضافة إلى نشر أرقام لأموال خليجية تسيل اللعاب، قيل انها ستعطى لمصر نتيجة "جنوحها" للسلم. لكن أياً من تلك الوعود لم يتحقق وها هي أحوال مصر تشهد على كذب تلك الوعود وخبث مطلقيها. وهو ما ينتظر لبنان إذا قبل بشروط "سيدر" أو الإمارات وغيرها.

صحيح ان لبنان يعيش اسوأ أيامه، لكن الطبقة السياسية الفاسدة باتت تخشى حركة الشارع. واللبنانيون يدركون جيداً، أن الأزمة المالية التي تواجههم هذه الأيام، مفتعلة، حيكت ما بين المندوبين الأميركيين وبعض أركان السلطة، الذين تولوا خلال العقود الثلاثة الماضية ضرب ركائز الإقتصاد اللبناني، عبر محاربة الصناعة وتهميش الزراعة وترك الحبل على غاربه للمصارف التي يملكون معظم ودائعها. وهم بلعبة المضاربة بالدولار الحالية وضرب القيمة

الشرائية لليرة اللبنانية، إنما يضربون حركة التجارة ويمتصون رساميل التجار واصحاب المصالح، في عملية تخريبية تحاول خنق الحياة لدى اللبنانيين، لتخييرهم بين مواصلة مقاومة الغزوة "الإسرائيلية" المدعومة أميركياً والممولة سعودياً؛ وبين الركوع أمام الإملاءات الأميركية. وهذا الأمر الأخير كما يقول المثل اللبناني، هو كحلم "إبليس" في الجنة.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل