الفاسدون لن يعارضوا التوطين والتطبيع ـ عدنان الساحلي

الجمعة 28 حزيران , 2019 10:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

هل يظن ساذج أو مغفل أن ملوك الفساد وسارقي المال العام وأرباب "الدولة المزرعة"، التي يديرونها وفق شريعة المحاصصة، يمكن أن يكون لهم موقف وطني وقومي صادق في التصدي للمشروع الأميركي-"الإسرائيلي"- السعودي الذي يجري فرضه على المنطقة العربية بقوة التهديد والإذلال والرشوة والتبعية؟

صحيح أن لبنان خرج بموقف موحد في وجه "ورشة المنامة" عاصمة البحرين، ذات الأهداف الصريحة في التخلص من القضية الفلسطينية والتسليم بكل الشروط والمطالب الصهيونية، بما فيها رشوة البعض بالمال العربي الخليجي. وظهر لبنان في موقفه هذا، خارج دائرة ممالك وإمارات الخليج ومن يماشيها من الدول العربية المسلوبة الإرادة، التي أوجدها الإستعمار لتتكامل مع الكيان الغريب والعنصري الذي يحتل فلسطين. وتشهد المواقف والسياسات التي اعتمدتها تلك الدول خلال الحقب والعقود الماضية، على هذا الدور الملتبس الذي ناوأ وخرب كل عمل عربي جدي حاول مقاومة الغزوة الصهيونية. لكن شرعة الحياة وتجارب السنين وممارسات الحكام الفاسدين والظالمين، تؤكد أن الإنحراف الخلقي والسلوكي وفقدان الضمير، طريق يوصل إلى الخيانة. وأن الفساد عنوان التبعية والخضوع للأقوى. وبالتالي، فإن الذين بنوا ثروات على حساب جوع الناس ومد الأيادي على رواتبهم ومدخراتهم؛ والذين وطمروا البلاد والعباد قرابة سنة كاملة بين تلال النفايات؛ ولوثوا كل شيء من الماء إلى الزراعة والهواء. وسلموا المواطنين إلى مافيات تخصهم، تبيع الناس الماء والكهرباء لتقصير الدولة عن تأمينها. ويبيعون المواطن أغلى فاتورة إتصالات. ويرفضون تحصيل مال الدولة من التعديات على الأملاك البحرية والنهرية، لأنهم هم، أي المسؤولين، أصحاب هذه التعديات وحماة شركائهم في التعدي. فإن الركون إلى ظاهر موقفهم هذا ضرب من السذاجة، لا يقره عقل ولا تقبل به التجارب التي مرت على لبنان وشعبه.

وكل عاقل ومتابع لتاريخ هذا النظام الفاسد، يدرك أن التوازنات القائمة في البلاد و"براغماتية" الزعامات السياسية اللبنانية، هي التي جعلت الأخيرة لا تتجاوب مع الدعوة للمشاركة في مؤتمر البحرين. لكن أليس هناك من يسعى ويعمل لتوطين الأخوة النازحين الفلسطينيين والسوريين؛ وكذلك لتطبيع علاقات لبنان مع العدو الصهيوني؟

إن كل من عارض ويعارض التوصل إلى تفاهم مع الدولة السورية، لإعادة النازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم في سورية، هو متآمر لتوطينهم في لبنان واستخدامهم في مشاريع تخدم اهداف الحرب التي شنت على سورية، طوال السنوات التسع الماضية. وقد شهدت تلك السنوات تورط قوى وأحزاب في تلك الحرب وجنيها مكاسب مادية تحت ستار دعم "الثورة" في سورية التي لم تكن أكثر من مؤامرة شارك فيها أكثر من ثمانين دولة أجنبية وعربية.

كذلك، إن كل من يعادي سلاح المقاومة ولا يترك فرصة إلا ويصفه فيها بأنه سلاح غير شرعي، على الرغم من أنه هو صاحب الدور الأول في حماية لبنان من العدوان "الإسرائيلي" ومن الهجمة التكفيرية التي إجتاحت المنطقة برمتها، هو متواطىء على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهوني وعلى توطين الفلسطينيين في لبنان. ألم يصف البعض "إسرائيل" بالجار، فيما هناك من ينفتح في علاقاته عليها تحت حجج وادعاءات شتى؟

وهذا النظام القائم مهما تغيرت وجوهه وأقنعته، هو ذاته النظام الذي طالما كان في خدمة الغرب والإستعمار القديم، المتجدد بحلة أميركية تتعامل بمنطق الخوة والفرض لتنفيذ غاياتها وترتيب مصالحها. وهو النظام الذي قام على علة الفساد والإفساد في لبنان، أي المحاصصة، الإبنة الشرعية لبدعة 6 و6 مكرر المسؤولة عن الإحتقانات منذ عشرات السنين، مما أولد حروباً أهلية أدعى مشعلوها زوراً أنها حرب الغرباء على أرضنا.

ألم يقل أركان في الحكم يوماً أن حل أزمة المديونية يتم عن طريق الإنخراط في "مشاريع السلام" مع العدو الصهيوني؟ أوليست تركيبة هذا النظام ذاته، هي التي فاوضت "الإسرائيلي" المحتل وعقدت معه إتفاقية 17 أيار 1983، ثم سرعان ما ألغتها عندما تغيرت التوازنات الداخلية؟

وطالما أن القضية قضية توازنات و"براغماتية"، علينا أن نتوقع عودة التهويل بالخراب المالي والإقتصادي، فشروط قروض مؤتمر "سيدر" ووعوده، هي نفسها شروط ووعود "ورشة المنامة". ومن يقبل تلك لا يمكن أن يرفض هذه. ومن يوقع لبنان تحت مديونية لا طاقة له بها، سيبيعه في سوق التطبيع والتوطين عندما تتهيأ له الظروف. 

  

         

         

         


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل