السودان وسراب الديموقراطية ـ عدنان الساحلي

الجمعة 14 حزيران , 2019 01:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

جاء استعمال الجيش السوداني القوة لفك إعتصام القوى المدنية، من جمهور الأحزاب السياسية والنقابات المهنية السودانية، ليفاقم الأزمة السياسية واستعصاء الديموقراطية في هذا البلد العربي الأفريقي، في سياق سعي شعبه لإقامة نظام يحقق فيه اهدافه الإنسانية في التقدم والرخاء.

صحيح أن السودان تخلص من نظام حكم عمر حسن البشير، لكن يبدو أنه ما يزال أسير متاهة لعبة السياسة والعسكر وصراع الأحزاب المسيرة من خارج الحدود، خصوصاً في ظل الفقر الذي يعانيه هذا البلد الشاسع المساحات والذي يسمى سلة غذاء الوطن العربي، لما فيه من خيرات الماء والكلأ وثروات اللحوم، التي تسرح في مراعيه المترامية التي لم تستغل بعد، على مساحة كانت الأوسع في أفريقيا والوطن العربي، قبل إنفصال الجنوب عن الشمال؛ وباتت بعده 1882000 كيلومتراً مربعاً وهو بذلك ثالث أكبر بلد في أفريقيا بعد الجزائر والكونغو.

والسودان في هذه المعمعة التي يتخبط فيها، هو "صيدة" حسب تعبير أمير قطر السابق حمد بن خليفة. وبغض النظر إذا وقعت "الصيدة" في أيدي الصيادين أم أن "تهاوشهم" عليها، أيضاً حسب تعبيره، فإن هذا "التهاوش" بين محور التحالف "الإخواني"-القطري- التركي، من جهة وتحالف السعودية –الإمارات وبعض الدول العربية الأخرى، في بعض المواقع وليس كلها، من جهة ثانية، جعل هذه البلدان بأموالها وأسلحتها والمسلحين الذي إستقدمتهم من جميع أصقاع العالم، تنشر الموت والخراب في سورية والعراق وليبيا واليمن؛ وكادت تونس ولبنان ومصر والجزائر أن تكون بينها. وها هو السودان يدفع اليوم ثمن هذا "التهاوش" ويقف على حافة الخراب، ما لم تحدث معجزة تولد حلاً ينقله خطوة نحو الخروج من هذا التجاذب القاتل.

و"التهاوش" كما يفهمه العرب، هو الفتنة والإضطراب، بالتالي فإن تلك الدول"المتهاوشة"، إختلفت في خدمة "صياد" تعلم كل الناس أنه "سيدها الأميركي":، الذي يعمل على إثارة "الفوضى الخلاقة" حسب الوصف الأميركي، خدمة لتنفيذ "صفقة القرن" التي كان مقرراً الإعلان عنها آخر رمضان الفائت، لضمان أمن واستمرارية الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين، لكن الأميركي وأتباعه، الذين نجحوا في نشر الفوضى، لم ينجحوا في إمساك الأرض ولذلك تترنح صفقة القرن وقد لا ترى النور.

السودان في هذه الأزمة التي يعيشها، يكرر المحطات ذاتها التي واجهته طوال مراحله السياسية، منذ إستقلاله في الخمسينيات عن الإحتلال الإنكليزي (1956) وتخليه عن الإنتماء للعرش المصري، فمنذ أول إنقلاب قاده الجنرال ابرهيم عبود (1958) حتى تولي المجلس العسكري الحالي،  شهد السودان أكثر من 11 انقلاباً أو محاولة انقلاب؛ وثورتان شعبيتان أطاحتا بحكمين عسكريين قويين. وحكم العسكر منذ الاستقلال 45 عاماً إمتدت على ثلاث فترات انقلابية، مقابل 11 عاماً لحكومات مدنية ديموقراطية لثلاث فترات أيضاً. كما حدثت إنقلابات أخرى خلال فترات حكم العسكر والمدنيين. ويعد انقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958 (6 سنوات)، وجعفر النميري 1969 (16 عاماً)، وعمر البشير عام 1989 الأبرز. وإذا كان حكم العسكر نقيضاً للديموقراطية، فإن حكم المدنيين لم يكن أحسن حالاً. صحيح أن في السودان قوى وأحزاب تتراوح بين المناطقية والجهوية وصولاً إلى العروبية كالناصرية والبعثية، أو الشيوعية والإسلامية، لكن السودان "المدني" لطالما كان أسير ثنائية طائفتي "الختمية" و"الأنصار" الأولى هي مريدي زعامة أل الميرغني ممثلة بالحزب الإتحادي الديموقراطي؛ والثانية هي جمهور أل المهدي، ممثلاً بحزب الأمة القومي السوداني. وهاتان الزعامتان اللتان إنطلقتا من مواقع دينية، سرعان ما تحولتا إلى قوى إقتصادية ومالية.

 هذا "الإحتكار" السياسي، جعل الإسلاميين والعروبيين والشيوعيين وحتى جماعات الإنفصال عن الخرطوم، تعمد في أغلب الأحيان إلى سلاح الإنقلابات العسكرية للوصول إلى الحكم وتحقيق رغباتها. وكانت أخرانتخابات حرة جاءت بحكومة الصادق المهدي المنتخبة عام 1986، ليأتي انقلاب الرئيس السابق العميد عمر حسن البشير عام 1989 بمشاركة "الجبهة الإسلامية القومية" بزعامة حسن الترابي، معيداً السودان إلى متاهة البحث عن الديموقراطية التي يبدو أنها سرابأ سودانياً، خصوصاً أن "الثنائية" السابقة تغيرت وباتت صراعاً بين القوى "الإسلامية" التي "تتهاوش" على تموضع السودان بين المحور السعودي أو "الإخواني".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل