موازنة الدولة، بداية التوازن لِمواجهة "المزرعة" ـ أمين أبو راشد

الأربعاء 29 أيار , 2019 09:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أن يفتتح الرئيس ميشال عون جلسة إقرار موازنة العام 2019، بعد نحو عشرين جلسة ماراتونية، بالطلب من الحكومة التحضير لموازنة العام 2020، فلأن الموازنات في علمِ المحاسبة العامة، يتمّ إقرارها قبل بدء السنة المالية بثلاثة أشهرٍ على الأقل، تفادياً للوصول الى الصرف على القاعدة الإثني عشرية، التي اعتمدها فؤاد السنيورة بصفته وزير مالية أو رئيس حكومة، تاركاً الحكم بلا موازنات وبلا قطع حساب على مدى عشر سنوات، كانت من أكثر الحقبات فساداً وفوضى وسرقات، نهشت الدولة ونهبت المال العام، ليستلم فخامة الرئيس عون غابة سائبة لأكلة المال الحرام، والمطلوب منه جعلها دولة موعودة لمواجهة المزرعة الموؤدة، وإعادة "توازن المواجهة" على الأقل، بين منطق المؤسسات وفَلَتان المافيات، بحيث لم يبقَ قطاع بارز إلَّا ونَزِل الى الشارع إضراباً واعتصاماً وزرع الفوضى المدروسة.

لن ندخل في ملل الأرقام، لأن الشعب اللبناني مَلَّ بما فيه الكفاية منها ومن أكاذيب الضرائب الإفتراضية للتشويش على العهد، وبِئس سياسة وطنية لإستعراض العضلات وتسجيل نِقاط تافهة، نأخذ مثالاً عنها، اعتراض السيد سمير جعجع على تخصيص 40 مليار ليرة لإقفال ملف المُهجّرين، وهو من "أصحاب الفضل" بتهجيرهم، ويتغاضى عن 300 مليار لتحسين نسل الجواد العربي.

المهم أن الموازنة قد أنجِزت بتوافق سياسي، ومع أهمية إحالتها الى مجلس النواب، لا أهمِّية لمُناقشات نواب يُمارسون نفس الكيدية التي مارسها وزراء أحزابهم، ونتوقَّف عند واقعية الخبير الإقتصادي غازي وزني في مُقاربته المواكِبة لهذه الموازنة منذ بدء مناقشتها وحتى إقرارها.

يبدو وزني غير متشائم، ويعتبر أن  تخفيض العجز بالنسبة المعلَن عنها والتي تتراوح ما بين، 7,6 و 7,3%، هو أمر إيجابي جداً بالنسبة الى الوضع الاقتصادي والمالي، وهو أيضاً رسالة ايجابية الى المجتمع الدولي والأسواق المالية الخارجية ووكالات التصنيف الدولية، لكن وزني يعتبر، أنّ منحى هذا التخفيض يتوجب أن يستمر في مشروع موازنة العام 2020، والتحضير لهذه الموازنة يُفترض ان يبدأ حسب قانون المحاسبة العمومية في حزيران 2019، وأكّد أنه على الحكومة الالتزام بنسبة هذا العجز وما دون، بانتظار موازنة العام 2020 التي ينبغي أن تكون إصلاحية، على صعيد هيكلة القطاع العام والنظام التقاعدي وخدمة الدين والتقديمات الاجتماعية، وأن تكون ايضاً إصلاحية على صعيد النظام الضرائبي في إدراج الضريبة الموحَّدة على المداخيل، وفي التعامل بجدّية اكثر مع ملف الاملاك العمومية البحرية، كما يقتضي في مشروع موازنة 2020 أن تتضمن رؤية اقتصادية اجتماعية، وإجراءات تحفيزية للنمو الإقتصادي.

لكن ثلاثة أمور وطنية مُقلِقَة واكبت مناقشة وإعداد هذه الموازنة، وسوف تواكب كل خطوة إصلاحية مستقبليَّة:

أولاً، لم يُظهِر بعض المتقاعدين من الجيش المناقبية الكافية في إعتصاماتهم، ونؤكد على كلمة" البعض"، مما انعكس سلباً على النظرة الشعبية الى الجيش كمؤسسة / مدرسة وقُدوة في الإنتماء الوطني.   

ثانياً، المصارف اللبنانية ومن ضمنها مصرف لبنان لا يُنتظَر منها أن تكون "كاريتاس"، لكن مواقف المصارف كانت جداً سلبية بما يتعلَّق بالضرائب على الأرباح ونِسَب الفوائد، وموقف موظفيّ مصرف لبنان لم يكُن مسؤولاً، وما زال المُودِع يدفع الثمن حتى الآن، ويقف أمام آلات سحب النقد أو على "كونتوارات" المصارف وكأنه يتسوَّل ودائعه نتيجة إضراب موظفي المركزي وتهديدهم بالعودة إلى الإضراب في أي وقت، والمشكلة أن الدولة المَدِينَة للقطاع المصرفي، لا تستطيع التصرُّف معه بمنطق "شَحِّدني وأنا سِيدَك".

ثالثاً، بلغت الأمور في مناقشة المسائل الإصلاحية داخل كل وزارة، وكأن المطلوب محاربة الفساد على قاعدة 6 و6 مكرَّر، وطافت الى السطح الرواسب المذهبية، بدليلٍ واحدٍ كَمِثال، أن أحد وزراء تيار المستقبل، يُدافع عن فضائح عهده بوزارة الإتصالات وكأنه يُدافع عن حُصن مذهبي، وهذا ما يجب العمل عليه في المرحلة المُقبِلة، بتعميم ثقافة الإصلاح أينما وُجِد الفساد ودون تمييز، وحلفاء العهد كفيلون بأن يذهبوا في هذا الملف الى النهاية دون أي اعتبار للصغائر، خصوصاً أن حزب الله في طليعة من أخذوا على عاتقهم دعم عهد التغيير والإصلاح..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل