موازنة لـ "صفقة القرن" لا للبنان ـ عدنان الساحلي

الجمعة 24 أيار , 2019 10:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

حتى الآن ما يزال إصدار حكومة سعد الحريري لموازنتها السنوية، عن العام الذي إنقضى نصفه تقريباً، في خانة الوعود المحيرة بين التطبيق أو عدمه. فكل همّ الحريري ووزراء حكومته، هو إصدار موازنة يقولون فيها للوصي الخارجي والمنتدب المالي الأجنبي، أنهم خفضوا العجز في موازنتهم، تأكيداً لجديتهم في تطبيق شروطه، التي لا تختلف عن وصفات "البنك الدولي" لأصحابه آل روتشيلد الصهاينة، في مواصلة منهم لسياسة الحكومات الحريرية السابقة، في إغراق لبنان بالديون ومراكمتها وإفقار شعبه، إلى الدرجة التي يصبح فيها عاجزاً عن قول كلمة لا للقرارت التي ستعنيه في مقررات "صفقة القرن"، التي ظهر رأس جبل جليدها وفيه توطين النازحين الفلسطينيين والسوريين في لبنان، خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة وتحصيناً لكيانه من الأخطار التي تهدد وجوده وإستمراره.

كان إغراق لبنان بالديون في الزمن الحريري الأول، بحجة أن "عصر السلام" الآتي وإنخراط لبنان فيه، سيتكفل بإيفاء الديون عبر الصناديق العربية المأمورة من الإدارة الأميركية. أما الآن، فإن التأخير والمماطلة في إقرار الموازنة العامة، هو لفرض القبول بشروط قروض مؤتمر "سيدر"؛ وكذلك قروض "البنك الدولي" المشروطة بتشغيل النازحين السوريين؛ والمترافقة مع الكلام الأميركي الصريح عن الغاء وكالة غوث النازحين الفلسطينيين "الأونروا" وتكليف البلدان المضيفة تحمل مسؤوليتهم، أي توطينهم فيها.

ومن متابعة تعامل الحكومة اللبنانية مع بنود موازنتها وردود أفعالها تجاه التحركات الشعبية، خصوصاً تظاهرات واعتصامات العسكريين المتقاعدين وباقي موظفي الدولة، الرافضين المسّ برواتبهم وبالحقوق التي نالوها بنضالات السنين الطويلة، يتبين أن هدف الحكومة هو القول للجهات الدولية المانحة، أنها خفضت عجز المالية بنسبة ملموسة، لتحصل بنتيجتها على القروض المقررة لها.

الأخطر في هذا الشأن، ليس فقط أن هذه القروض تحمل معها خطري التوطين للنازحين والتطبيع مع العدو الصهيوني، الذي يحتل فلسطين وبعض أراضي لبنان ويهدده عسكرياً كل يوم، بل هو في تجاهل الحكومة التام التصريح عن كيفية إيفائها للديون القديمة والقروض الجديدة. وكأن الإصرار على مسيرة إغراق لبنان بالديون بات أمراً مسلماً به؛ وأن هناك ثمناً تضمره حكومة الحريري مقابل إيفاء تلك الديون، بما لا يلزمها وضع أي مشروع أو خيار إقتصادي تبرمج فيه خدمة الدين العام وتقسيط إيفائه، تمهيداً لتحرير لبنان منه ومن تداعياته. وهذا يؤكد من جهة، أن الموازنة المتنازع على بنودها ليست موازنة للبنان، بقدر ما هي موازنة لمماشاة تطورات "صفقة القرن". ويكون تضخيم حجم الديون بالتالي، مشروعاً سياسياً للحريري وشركائه في الحكومة والحكم، لافقار اللبنانيين وإجبارهم على الإنخراط في المؤتمرات المفروضة أميركياً، التي بدأت تلوح في الأفق؛ والقبول بمقرراتها السياسية، مقابل ثمن إقتصادي.

وأفعال الحكومة في ما يتسرب عن موازنتها المزمعة، تؤكد ذلك، فهي لم تلتفت إلى إقفال أبواب الهدر الواسعة التي يمارس أركانها عبرها الإثراء غير المشروع، مثل الأملاك البحرية والتهرب الضريبي؛ ومداخيل مؤسسة "أوجيرو" وشركتي الخلوي وصناديق المحسوبيات. ولا ننسى وزارة المهجرين، التي أعلن ألقائمون عليها عام 1993، بالورقة والقلم، أنهم يحتاجون إلى أربعمائة مليون دولار، فقط لا غير، لإقفال ملف المهجرين، لكنهم صرفوا أكثر من أربعة مليارات دولار ويطالبون اليوم بمليارين إضافيين لختم هذا الملف.

وفضيحة الفضائح، هي في الإعلان عن قرب مناقشة موازنة عام 2020، في حين أن موازنة العام الحالي لم تحولها الحكومة بعد إلى المجلس النيابي، فهل المطلوب إشغال اللبنانيين بملهاة جديدة، بعد أن لوح لهم بالمس برواتبهم، في تهديد جدي للطبقة المتوسطة، لإبعاد أنظارهم عمّا يحصل خلف القرارات الإقتصادية من توجهات سياسية لا تؤتمن هذه الطبقة السياسية على نهاياتها. خصوصاً أن الحكومة برئيسها ووزرائها هم أنفسهم المتنفذون المسؤولون عن الهدر والفساد وسوء الإدارة وإختلاس أموال اللبنانيين. وهل سنشهد خلال الأيام المقبلة فصولاً من سجالات مؤتمرالبحرين الإقتصادي ومؤتمري مكة المقرر لهما إقامة تحالف "عربي" و"إسلامي" مع العدو "ألإسرائيلي" لمحاربة قوى المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية في إيران؟  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل