إتفاق 17 أيّار .. سقط رغم أنف المطبعين ـ أحمد زين الدين

الجمعة 17 أيار , 2019 12:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بعد ان أفلح ضغط واشنطن على تل أبيب، بدأت الاجتماعات اللبنانية - "الإسرائيلية" بين خلدة وكريات شمونة.

في 28 كانون الأوّل 1982، بعد مضي 96 يوماً على تسلم الرئيس أمين الجميل مهماته الدستورية وقيامه بتحركات واسعة كان أبرزها زيارته للولايات المتحدة الأميركية واجتماعه مع الرئيس رونالد ريغان، بدأت المفاوضات اللبنانية - "الإسرائيلية" برعاية أميركية في خلدة ونتانيا، فترأس الوفد اللبناني السفير انطوان فتال وضم في عضويته القاضي انطوان بارود والسفير إبراهيم خرما والعميد عباس حمدان والعقيد سعيد القعقور والعقيد منير رحيم. وترأس الوفد الصهيوني مدير عام وزارة خارجية العدو دايفيد كيمحي، وضم ايلي كيم روبنشتاين، والسفير شمويل ديفون واللواء ابراشا تاير والعقيد مناحيم ايتان والعقيد حمام آلون. وترأس الوفد الأميركي السفير موريس درابير، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط الذي عاونه كريستوفر روس وضم عسكريين اميركيين.

تواصلت المفاوضات اللبنانية - "الإسرائيلية" بين خلدة وكريات شمونة، دون الوصول إلى نتائج حاسمة، وفيما المفاوضات جارية فجر مبنى السفارة الأميركية في بيروت وسقط 47 قتيلاً، وكان الهدف كما قيل السفير فيليب حبيب الذي تدخل في المفاوضات، والذي تأخر عن لقاء السفارة لانشغاله باجتماع مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ايلي سالم والدكتور وديع حداد مستشار الرئيس للشؤون الوطنية في قصر بعبدا. ورغم ضخامة هذا الانفجار، فإنه لم يؤثر على سير المفاوضات التي استمرت بتأكيد من واشنطن ان الموقف الأميركي لن يتبدل.

32 جولة من المفاوضات اللبنانية - "الإسرائيلية"، والأمور ظلت تراوح مكانها، إلى ان قرّر وزير الخارجية الأميركية جورج شولتز التوجه إلى الشرق الأوسط، والتدخل المباشر لإخراج المفاوضات من الحلقة المفرغة، فوصل في 26 آذار 1983 إلى مصر، ومنها انتقل إلى تل ابيب ثم إلى بيروت، وبعد سلسلة من الجولات المكوكية بين بيروت والقدس المحتلة، استمرت بين 27 آذار و6 أيار 1983، توصل خلالها إلى اتفاق بين الجانبين. وفي 7 أيّار التقى شولتز بالرئيس حافظ الأسد الذي أبلغ الوزير الأميركي رفض دمشق كل ما يمس بسيادة واستقلال لبنان وبأمن سوريا ومصالحها، ومصالح الأمة العربية.

ثم عقدت الجولة 33 فالجولة 34 من المفاوضات التي عقدت في 3 أيّار وفيها تمّ الاتفاق على النص النهائي. وفي 14 أيّار وافق مجلس الوزراء اللبناني في جلسة استثنائية على المشروع وفي 16 أيّار اطلع مجلس النواب في جلسة سرية على النص فأيده وجدّد دعمه للحكم بإجماع 80 نائباً ومعارضة النائبين نجاح واكيم وزاهر الخطيب فقط. وفي اليوم نفسه انعقد الكنيست الإسرائيلي وصادق على مشروع الاتفاق بأكثرية 57 صوتاً وامتنع 45 ومعارضة 6.

وفي 17 أيّار، وقع رؤساء الوفود: «انطوان فتال وديفيد كيمحي وموريس درايبر الاتفاق باللغات الاربعة: الانكليزية والفرنسية والعربية والعبرية».

منذ ذلك التاريخ، بدأت المتاعب الفعلية في لبنان، ففي 19 أيّار اندلعت حرب الجبل التي انتهت في 19 أيلول 1983 بسيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي على كل القرى الجبلية، وعلى الأثر تحرّكت المبادرات الخارجية لوقف القتال وكان أبرزها المبادرة السعودية.

وقد اوفدت المملكة الامير بندر بن سلطان ورجل الأعمال السعودي من اصل لبناني (كما اوردت وكالات الانباء) رفيق الحريري آنئذ للقيام بوساطة مع سوريا انتهت بإعلان من دمشق في 12 أيلول يقضي بوقف إطلاق النار.

وفي حين كان الأمير بندر ورفيق الحريري يقودان المفاوضات مع دمشق، رفع لبنان شكوى إلى مجلس الأمن، وأعلنت واشنطن تعزيز اسطولها في المياه الإقليمية اللبنانية، وبدأ الرئيس ريغان يتحدث عن وصول حاملة الطائرات نيو جرسي، وأعلن النائب باسم البيت الأبيض، لاري سبيكس ان سوق الغرب تشكّل خطاً أحمر.

في 26 أيلول قدم رئيس الحكومة شفيق الوزان استقالته، فتريث رئيس الجمهورية في بتها، فيما أعلن وليد جنبلاط نص وقف إطلاق النار من دمشق بحضور وزير الخارجية السورية عبد الحليم خدام والامير بندر.

في ظل هذه التطورات والحملات الإعلامية بين جبهة الخلاص وأمل من جهة وبين الحكم في لبنان من جهة ثانية، وفي ظل تبادل واشنطن ودمشق الحملات الإعلامية من جهة ثالثة، حملت الأنباء في 23 تشرين الأوّل، تفجير مجموعتين انتحاريتين مقر قيادة المارينز الأميركية، ومبنى فرقة المظليين الفرنسيين، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى.

هنا اتضح امام الرئيس الجميل انه لا مناص له من بدء مسيرة الحوار التي دعت إليها السعودية، فاتصل بالرئيس حافظ الأسد وبالملك فهد بن عبد العزيز موجهاً إليهما الدعوة لحضور مؤتمر الحوار الوطني في جنيف الذي تقرر عقد أوّل اجتماعاته عصر يوم 31 تشرين الأوّل 1983 بمشاركة: الرئيس أمين الجميل، كميل شمعون، سليمان فرنجية، عادل عسيران، صائب سلام، رشيد كرامي، بيار الجميل، وليد جنبلاط، نبيه برّي، وبمراقبة وفد سعودي برئاسة وزير الدولة السعودي محمّد إبراهيم مسعود، وقوامه السفير السعودي في بيروت الشيخ أحمد الكحيمي، ورفيق الحريري، ووفد سوري قوامه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السورية آنئذ عبد الحليم خدام.

وتركز البحث يومئذ على إلغاء اتفاق 17 أيّار كشرط لإنجاح الحوار اللبناني - اللبناني. فرد الرئيس الجميل ان لا بديل للاتفاق بالنسبة إلى لبنان في ظل الظروف الإقليمية والدولية السائدة.. وبعد ثلاثة أيام، أنهى المؤتمر أعماله بالاتفاق على هوية لبنان العربية، وبفشل الاتفاق على إلغاء اتفاق 17 أيّار، ودعا البيان الختامي رئيس الجمهورية إلى الاستمرار في السعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وتقرر عقد الحلقة الثانية من الحوار في 14 تشرين الثاني، لكن الحلقة الثانية من الحوار لم تعقد، ثم كانت حرب الضاحية وانتفاضة 6 شباط التي اخلى الجيش اللبناني على اثرها مواقعه في بيروت الغربية. وعلى الأثر أعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغان سحب وحدات المارينز وانسحبت وراءها الوحدات المتعددة الجنسية.

في 5 آذار 1984، عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة تقرر فيها إلغاء اتفاق 17 آذار واعتباره باطلاً وكأنه لم يكن مع ما ترتب عليه من اثار، كما تقرر إبلاغ قرار الالغاء إلى كل الأطراف الموقّعة عليه.

وبهذا الالغاء أصبح الطريق مفتوحاً امام الجولة الجديدة من مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في 12 آذار 1984، حيث ركز فيه المؤتمرون على وقف إطلاق نار فعلي وثابت، وتأليف حكومة اتحاد وطني. وبعد بحث دام اسبوعاً لم يستطع المؤتمرون ان يتوصلوا إلى صيغة للاصلاح السياسي، فتقرر تشكيل لجنة أمنية عليا برئاسة رئيس الجمهورية انيط بها تنفيذ خطة أمنية لإقامة بيروت الكبرى، وتشكيل هيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد.

وفي منتصف نيسان، اتفق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد زيارة قام بها الرئيس الجميل إلى دمشق، فتشكلت هذه الحكومة برئاسة رشيد كرامي وعضوية كميل شمعون وعادل عسيران، وسليم الحص ونبيه برّي ووليد جنبلاط وبيار الجميل وجوزيف سكاف وعبد الله الراسي وفيكتور قصير.

تعثرت انطلاقة الحكومة في البدء، مما اضطر الرئيسان الجميل وكرامي إلى الاستعانة بسوريا التي وافقت على ان تقوم بدور المرجعية، فمالت الأمور نحو الحلحلة، وتقرر في 23 حزيران 1984 تعيين قائد جديد للجيش هو الجنرال ميشال عون بدلاً من العماد إبراهيم طنوس، كما تقرر فتح مطار بيروت الدولي بعد توقف دام 160 يوماً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل