هل بات لبنان واللبنانيون بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد؟ محمد دياب

الثلاثاء 07 أيار , 2019 12:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بيروتي مخضرم، عركته الحياة والتجارب، وكان شاهداً على كثير من التجارب والمحن التي مرّ بها البلد، وسمع الكثير عن التفاصيل اللبنانية التي سبقت وعيه من ابيه واصحابه، وفي لحظة صفاء مع بعض أصدقائه القدامى الذين جمعهم افطار في اليوم الأول من الشهر المبارك على عاداتهم كل عام، خاطب الجميع قائلاً: دعونا نعترف أن العقد الاجتماعي الذي أقر في الطائف قبل ثلاثين عاماً، قد أدى قسطه واستنفذ أغراضه، وصرنا بحاجة وطنية ماسة لأن نبتدع عقداً اجتماعياً جديداً.

ووسط ذهول اصدقائه الذين كانوا يعرفون مدى حماس الرجل لـ"إتفاق الطائف" الذي كان دائماً يقول عنه يكفي أنه أوقف الحرب العبثية التي "خلّعت لبنان"، وحكمٌ مهما كان نوعه وسيئاته، افضل من حكم زواريب ومناطق المليشيات.

ينتظر الجميع استكمال تحليل صديقهم ورؤيته، ليتابع: لقد ثبت بالوجهين الوطني والشرعي، أن "إتفاق الطائف" انتج برعاية لجنة وصاية عربية مكونة من ملكي السعوديي والمغرب ورئيس الجزائر وبرضا سورية ورئيسها الراحل حافظ الأسد.

الأربعة أي ملكا السعودية المغرب والرئيسين الجزائري والسوري أصبحوا في ذمة الله.

و"الطائف" برأي هذا البيروتي، لم يشذ عن التجارب التي عرفها لبنان منذ القدم، أي أن الطبقات السياسية المتعاقبة كانت دائماً تمد اياديها للخارج طلباً للدعم والتأييد والقوة، منذ زمن وصاية القناصل حين كان لبنان صغيراً على بعض الجبل إلى زمن الانتداب، والاستقلال.

وبهذا كان لبنان دائماً في ازماته وامراضه يتطلع إلى حلول خارجية تعكس توازناتها على الداخل.

"الطائف" برأيه لم  يشذ عن هذه القاعدة، فكان لبنان بداية تحت الوصاية السورية، التي كانت تحل أي أزمة بساعات قليلة أو حتى بهاتف واحد لأصحاب "القرار الداخلي" فينتهي كل شيء، وهكذا نجد أن أي حكومة على سبيل المثال لا لحصر بين 1990 و 2005 لم يستغرق وقت تشكيلها أسبوعاً وبعضها أقل من يومين.. وبعدها صرنا ننتظر أشهراً وسنة... وهذا ما لا يقره عقل ولا إرادة وطنية.

علينا أن نعترف يتابع البيروتي العريق، اننا بحاجة إلى إرادة وطنية صادقة، تضع حداً لهذه المحاصصة المذهبية والطائفية والزبائنية التي لم تأخذ البلد إلا إلى ارهاقه مع ناسه وأهله، بالمديونية العامة المرتفعة التي تجعل لبنان من أكثر بلدان العالم مديونية، ومن أكثر البلدان فساداً، ومن أكثر البلدان تدهوراً بيئياً وامراضاً وعللاً، وكل إدارة فيه لا توافق الطرف الأقوى في هذه الطائفة أو المذاهب، يخلق لها إدارة رديفة، تصبح بحكم الأمر الواقع ثابتاً مذهبياً ووطنياً، وهكذا صارمجلس الانماء والاعمار وزارة الوزارات، والهيئة العليا للإغاثة، ومجلس الجنوب، وصندوق المهجرين،، وغيرها من المجالس والصناديق التي صارت مغاور وكهوف، وعلى الطريق سترى المزيد منها، ألم يبدأ الحديث عن مجلس انماء بعلبك ـ الهرمل، ومجلس لعكار وهلم جرا، لافتاً إلى أن لبنان الذي تبقى مساحته أصغر من محافظة حلب السورية، جرى خلق محافظات جديدة فيه، في وقت يجري فيه الحديث واسعاً عن ضرورة ضبط التوظيف وترشيق الجهاز الإداري (كما كان يقول السينورة)، وهكذا تقسم محافظات عرفت بتنوعها كحال محافظة البقاع التي صارت محافظتين، ومحافظة لبنان الشمال التي أضحت أيضاً محافظتين، مع ما يلزم ذلك من خلق جهاز إداري لكل محافظة جديدة، علماً أنه يجري الحديث بقوة عن تقسيم جبل لبنان إلى محافظتين، مع ما يستلزم ذلك أن تكون كل الوزارات لها مكاتب وادارات في كل محافظة.

ويختم البيروتي المخضرم الذي عرف الكثير من التجارب: ببساطة، هكذا تتحول المراكز والمسؤوليات إلى مجالس ملية، ممنوع نقدها ولفت نظرها، وهو أمر لا مثيل له في العالم، وبات مصدراً لمزيد من الانقسامات والخلافات، في وقت باتت كل قوة سياسية وطائفية لها مرجعيتها الخاصة خارج الحدود، مذكراً بما فعله ثامر السبهان قبل فترة زمنية قصيرة، وكاد يأخذ بموافقة السعودية لبنان إلى أخطر الأمكنة، مشدداً على أن الحل الوحيد بات هو إلغاء الطائفية السياسية التي لا تجر إلا إلى الأزمات والمحن والويلات... فحمى الله لبنان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل