من نفحات الحكم العطائية ... "ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه"

الثلاثاء 30 نيسان , 2019 01:13 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - إسلاميات

"ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه"

 

نواصل الابحار في بحر الحكم العطائية، وهي مجموعة من الكلام البليغ لأوسع المعاني بأقل العبارات مستخلصة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تتحدث عن تزكية النفس والارتقاء بها في مدارج الكمال والسمو.

يتعرض الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله في هذه الحكمة لأدب قلبي عالٍ في التأدب مع الله سبحانه وتعالى والرضا بفعله وحكمه بين عباده، ومما دلت عليه هذه الحكمة من معاني:

من آداب المسلم العارف بربه أن يقرَّ الأشياء في محلها ويسير معها على سيرها، فكل ما أبرزته قدرة الله للعيان فهو في غاية الكمال والإتقان، وعلى المسلم أن يسلم فيها غاية التسليم والرضا. وواجب المسلم أن يعامل الناس على اختلافهم بظاهر الشريعة فيذكرهم، وفي الباطن بالحقيقة فيعذرهم، ومن أراد أن يظهر الوقت غير ما أظهره الله تعالى في نفسه أو في غيره فقد جمع الجهل كله ولم يترك منه شيئاً حيث عارض القدر ونازع القادر، قال تعالى: {إن ربك فعال لما يريد} وقال: {ولو شاء ربك ما فعلوه} وقال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.

وفي بعض الأخبار يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليخرج من تحت سمائي وليتخذ رباً سواي"، وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: "لإن ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلى من أن أقول لشيء كان ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان".

وصفوة القول إنَّ عليك أن تعلم أن الله تعالى أقام عباده على وظائف قسمهم بينها أو قسمها بينهم، فيها ما هو بين معلوم، وفيها ما هو خفي وغير مفهوم.

وظيفتك تجاهها أن ترعَ الشرع وأحكامه، فإن لم تجد بعد التبصر ودقة النظر، ما يخالف متفقاً عليه من مبادئ الشرع وأحكامه، فألجم فمك عن قالت السوء بحق عباد الله مهما استغربت أحوالهم وعجزت عن فهم شؤونهم، ووجّه فؤادك إلى حسن الظن بهم، فذاك هو الأمثل والأليق بواجب الأدب مع عباد الله.

فلكل منا له وظيفة أقامه الله عليها، وعلينا احترام وظيفته التي أقام الله فيها.

وما أجمل قول الشاعر:

 

علَّمتني الحياةُ أن أتلقَّى ... كلَّ ألوانها رضًا وقَبولَا

ورأيتُ الرِّضا يخفِّف أثقالي ... ويُلقي على المآسي سُدولَا

والذي أُلهمَ الرِّضا لا تراهُ ... أبدَ الدهر حاسدًا أو عَذولَا

أنا راضٍ بكلِّ ما كتب اللهُ ... ومُزْجٍ إليه حَمْدًا جَزيلَا

أنا راضٍ بكلِّ صِنفٍ  ... من الناسِ لئيمًا ألفيتُه أو نبيلَا

لستُ أخشى من اللئيم أذاه ... لا ولن أسألَ النبيلَ فَتِيلَا

فسَحَ الله في فؤادي فلا أرضى ... من الحبِّ والودادِ بديلَا


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل