الفساد في لبنان .. نظام منتج للأزمات والفضائح (5) ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 30 نيسان , 2019 11:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

 

الأيادي السود ترفع الدين العام إلى أرقام فلكية

منذ نهاية العام 1992، ومع انطلاق شعارات "إعادة الاعمار" في لبنان، خرجت الأصوات والمواقف التي تحذر من السلوك الليبرالي المتوحش، فكانت عمليات فوائد سندات الخزينة الي وصلت إلى 45 بالمئة، كما كانت عمليات النهب المنظم للأملاك العامة والخاصة، فتكرس وسط العاصمة كملكية لشركة، وهو أمر لم يحدث في أي مكان من العالم، وعليه كان بمنزلة إزالة للذاكرة البيروتية.

كان أصحاب هذا النهج يتوقعون أو يتوهمون أن عملية السلام قادمة إلى المنطقة، فبعد "كامب دايفيد" واجتياح لبنان، وصولاً إلى العاصمة من قبل العدو "الاسرائيلي"، ثم احتلال الكويت من قبل صدام حسين، والدخول الأميركي العسكري الواسع إلى المنطقة، وبدء محادثات مدريد، في وقت كان فيه ياسر عرفات يخوض مع العدو محادثات أوسلو، سراً قبل أن تظهر إلى العلن، اعتقدت القوى التي كانت تدير الملف الاقتصادي والمالي، أن "طريق السلام" بات "قاب قوسين أو ادنى"، فاندفعوا في عمليات تدمير المؤسسات والخصخصة، والتوسع في عمليات الاستدانة، وإقامة المشاريع والبنى التحتية بأسعار خيالية، دون أي دراسة جدوى، وبالتراضي، بعيداً عن إجرء أي مناقصة وأن حصلت، فإنها في الغالب كانت شكلية.

وترافق كل ذلك، مع إقامة مؤسسات رديفة للوزارات، كانت عبارة عن مغاور لتنفيذ السياسات الاقتصادية القاتلة، وللإثراء غير المشروع.

وهكذا، تعزز دور مجلس الإنماء والاعمار الذي صار يقوم بمهام الوزارات، وكان صندوق المهجرين إلى جانب وزارة المهجرين، والهيئة العليا للإغاثة إلى جانب وزارة الشؤون الاجتماعية، كما كان مجلس الجنوب، وكانت اوجيرو إلى جانب وزارة الاتصالات وغيرها من المؤسسات الرديفة.

كما كانت هناك عمليات خصخصة مشبوهة، كحال الهاتف الخلوي الذي استفادت منه شركتان، كانت تجني الواحدة منهما نحو مليار دولار سنوياً، بينما لم تتجاوز حصة الدولة منهما 300 مليون دولار.

وعلى هذا النحو مع بدء السنة الأولى بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي، كانت المديونية العامة ترتفع بشكل مذهل، وخدمة الدين باتت ترهق الخزينة العامة، وبدأت تتكشف الأمور، فصارت الحلول عند معظم الطبقة السياسية على طريقة معالجة الجوع بالصيام، والفقر بالتقشف، وكانت مؤتمرات زيادة الدين العام، والدعوة إلى الخصخصة، "باريس 1 و 2 و 3".

ورغم هذا الواقع المأساوي الذي بدأ يدخل به لبنان جراء هذا النهج الاقتصادي، كانت تتوسع عمليات نهب الاملاك العامة والمشاعات، فتم وضع اليد على الشواطئ البحرية والمشاعات، حتى رمل الشواطئ لم يسلم فتم نهبه بطريقة وحشية.

في هذه الفترة كان النائب السابق نجاح واكيم قد وضع كتاباً تحت عنوان "الايادي السود" قدم فيه معلومات واسعة عن عمليات النهب والاستباحة، وطبع من هذا الكتاب العديد من الطبعات، وكان يفترض بالمعنيين أن يعتبروه إخباراً للتحقيق، بما ورد فيه معلومات عن عمليات النهب المنظم التي تمت بحق لبنان واللبنانيين، ولكن مرّ الأمر وكأن الكتاب يتحدث عن دولة في فضاء بعيد عن هذا الوطن المعذب.

الآن، وصلنا إلى النفق، ولكن لم يوضع حبة ملح واحدة على جرح الحقيقة المؤلمة، حيث الحلول التي تطرح وتوصف بشتى الاوصاف الحزينة، "تدابير غير شعبية، إجراءات تقشفية، خصخصة الكهرباء، مشاركة القطاع الخاص بعمليات استخراج النفط، الشراكة بين القطاعين العام والخاص" وهلم جرا من اوصاف لا تهدف إلاّ لتحميل المواطن المعذب تبعات نهج الفساد والسمسرات، في نفس الوقت الذي يستمر فيه خلق المؤسسات الرديفة والتوسع في الملاكات الإدارية الرسمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء إلى جانب وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، الهيئة الناظمة لقطاع النفط، إلى جانب وزارة الطاقة، مجلس انماء بعلبك ـ الهرمل، خلق محافظات جديدة في بلد تبلغ مساحته كلها، أصغر من محافظة حلب، وعدد سكانه لا يبلغ عدد سكان حي من مدينة القاهرة.

ومن الإجراءات المؤلمة والتقشفية التي يتحدثون عنها، لوقف ما وصفوه بالانهيار، مد اليد إلى رواتب الموظفين والعسكريين والمتقاعدين، وزيادة الضريبة على المحروقات والكهرباء والمياه وزيادة الـ"TVA" وغيرها...

ربما كان الرئيس إميل لحود الذي في عهده وخصوصاً في السنتين الاولتين تم في ظل حكومة البروفيسور سليم الحص، وقف الانحدار السريع نحو الهاوية، جراء خطة الإصلاح المالي التي طرحها الدكتور جورج قرم، بالاتفاق مع لحود والحص ومنها:

  • استعادة الخلوي الذي بدأ يدر على خزينة الدولة أكثر من ملياري دولار سنوياً بدلاً من 300 مليون دولار في السابق.
  • وضع ضريبة  TVA التي افرغتها الحكومة التي جاءت بعد الرئيس الحص من مضمونها الحقيقي، فطبقهاوزير المال فؤاد السنيورة بطريقة عجيبة.
  • قرض بأربعة مليار دولار من المصارف بفائدة صفر بالمئة بعد أن كانوا قد القوا القصائد العصماء بباريس 1 و 2 و3 التي كانت مبالغها بفوائد وبشروط سياسية.

ولنعود إلى الرئيس لحود الذي حدد بوضوح مكامن الخلل، حيث أكد أنه "بدلاً من محاسبة المسؤولين واسترجاع ما نهب من لبنان يصر هؤلاء على اتخاذ اجراءات وتدابير بعيدة كل البعد عن مكمن الخلل او عن منطلقات الاصلاح والإنقاذ وتتركز على الفئات العاملة بالأجر والموظفين والعسكريين".

مشيراً إلى أنه: "لا يمكن لهذه القوى ان تمد يدها الى جيوب الناس قبل بت قضية الحسابات المالية الفضيحة بحقها وخاصة ١١مليار دولار صرفت بطريقة مغايرة لكل القواعد الدستورية والقانونية والمحاسبية بينما بات المسؤولون عن صرفها من كبار الأثرياء حتى تجاوزت ثرواتهم ثروات من حكمهم بالبلاد والعباد".

كما "انه لا يمكن تجاوز مسؤولية من اخفى الهبات التي تلقتها الدولة اللبنانية ولم تسجل وفق القواعد القانونية وتبخرت وان كان جزء منها معلوم ويتجاوز مليارات الدولارات ولم تستطع الحرائق المفتعلة او غيرها من طمس معالمها والمسؤولون عنها موجودون وثرواتهم كذلك. ولا يمكن تجاوز فضيحة العصر المتعددة والمتكررة بسوليدير من تأسيسها حتى تعديل مستوى الاستثمار فيها لمرات ومرات وما نتج عنه من فروقات خيالية تقارب ٣١ مليار دولار وهو رقم موثق بالكامل مع جميع المستندات مروراً بكارثة وضع اليد على فضلات العقارات والمساحات الخضراء والتي تقدر وحدها بمليارات الدولارات ايضاً، هذه أموال موجودة وعقارات قائمة يمكن استردادها واستخدامها لا منحها مكافاة للسارقين وسرقة الشرفاء من عسكريين وغيرهم".

اضاف: "لا يمكن تجاوز الأملاك البحرية والنهرية ومخالفات البناء ولا سيما ان اصحاب القسم الأكبر منها هم سياسيون او شركاء لسياسيين معروفين وهم اليوم يتصدرون حملات مكافحة الفساد وتصويب الاقتصاد. والتسويات المالية والمصرفية والحوافز المعطاة لكل انواع الاعمال طوال السنوات الماضية والتي كانت محصلتها عشرات مليارات الدولارات دخلت جيوب السياسيين اياهم وشركائهم. وصفقات وتلزيمات من البناء الى النفايات الى آلية النفط المعتمدة والكهرباء وغيرها مما افقد الشعب اللبناني عشرات مليارات الدولارات المعروفة والمعلومة بايدي من وكيف ذهبت ومن شارك فيها الخ وهؤلاء لغاية اليوم يتمتعون بها ويستمر تدفق منافعها عليهم دون اي احساس او تفكير بتحميلهم اي وزر او عاقبة. ولا يمكن تجاوز التهرب الضريبي والتهرب الجمركي المحمي من نفس القوى والمقدر سنوياً بعدة مليارات من الدولارات ولا يزال لغاية اليوم ".

ان هذا غيض من فيض وبداية فقط ولكن الوقاحة بلغت حداً لا يمكن السكوت عليه من خلال تكريس السارق والمرتكب والمدان كمعالج لهذا الواقع وتحميل الضحية اثم الارتكاب والاقتصاص منه.

"انتهى".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل