الفساد في لبنان .. نظام منتج للازمات والفضائح 4/4 ـ أحمد زين الدين

الأربعاء 24 نيسان , 2019 11:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

 

وسط العاصمة في المصير المجهول

بعد أربع سنوات من أزمة عام 1958 عقد مؤتمر فكري في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة لدراسة ظاهرة مقدرة لبنان المزدوجة:

أولا: على الاستمرار كدولة رغم الخلل الداخلي الخطير والمتفجر.

ثانياً: النأي بأقل الاثمان عن العواصف التي كانت تضرب الشرق الأوسط في ستينيات القرن الماضي.

الخلاصة التي خرج بها المؤتمرون الين كانوا لبنانيون واكاديميون أميركيون أنهم رفضوا ربط استمرارية لبنان كدولة بأي دور ايجابي لزعمائه، وأن هذه الاستمرارية هي نتيجة "سعي متعمد" من نخب لبنان السياسية والاقتصادية لجعلها كذلك، أو ثمة "ديمقراطية ما" تعمل لترتيب المنزل.

هذا الحال فسره الرئيس الراحل فؤاد شهاب يوماً، حينما وصف السياسيين اللبنانيين بـ"أكلة الجبنة"، فآثر الانسحاب من الحياة السياسية، رغم أن الأغلبية النيابية الساحقة، وحتى الشعبية، كانت مع التجديد له.

وبعد اتفاق الطائف، وتحديداً منذ نهاية العام 1992، بدأ لبنان يدخل في ضباب اقتصادي ومالي، إذ كان الدين العام على البلد آنئذٍ نحو ملياري دولار، في معظمة دين داخلي بالليرة اللبنانية، لكن السياسة الليبرالية المتوحشة بدأت بادخال لبنان في مرحلة خطيرة نعيش الآن كثيراً من صفحاتها السوداء، بعد أن بلغ الدين في بلد مساحته 10452 كلم2، وعدد سكانه نحو 4 ملايين نسمة أكثر من مئة مليار دولار، مما يفترض علاجاً صارماً، لوضع حد لهذه المديونية الخطيرة جداً، والتي تتعدد فصول انتاجها .. وهذا يلزمه بحث طويل، نبدأ أولاً كيف نهب وسط العاصمة كما حدده الوزير الأسبق هنري إده الذي كان أول من وضع الدراسات الأولى لإعمار وسط بيروت وفق رؤية هندسية عصرية تزاوج بين الحفاظ على الطابع التراثي القديم والتوسع والتحديث العمراني لكنه سرعان ما اكتشف، أن أصحاب القرار في السلطة يريدون مشروع الإعمار مشروعاً للإثراء الشخصي على حساب المصلحة العامة فتخلى عن مشروعه وألف كتاباً حمل عنوان "المال إن حكم"، ومما جاء في الكتاب أنه قبل أسابيع من إحالة المخطط التوجيهي لوسط بيروت على مجلس الوزراء الذي عقد جلسته قبل  انتخابات تشرين الأول 1992، حصلت مداخلات عديدة قبل الرئيس (لاحقاً) رفيق الحريري أدت إلى رفع معدل الكثافة إلى 20%، بعدما قدر إده قيمة الأراضي المردومة العائدة للدولة بحوالي 400 مليون دولار في حين أن رغبة الحريري (وفق قول إده) ألاّ يزيد المبلغ عن 60 مليون دولار.

ومما جاء في الكتاب: "منذ أن أصبح المال المحرك الرئيسي، كي لا نقول الوحيد، للحياة السياسية تطلع الأقوياء إلى الحصول على حصتهم منه. وتظهر التجربة في كل مكان وحتى في أكثر البلدان تطوراً، أن التلزيمات تخضع لضغوط من كل نوع وتشكل مصدراً للفضائح الصارخة... وكيف لا نشير هنا إلى غياب الشفافية الذي صار قاعدة مطلقة في ممارسة السلطة وعقد الصفقات الرسمية؟ وكم من مشاريع ذات كلفة مالية ضخمة حملت إلى مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، وأحياناً من دون معرفة الوزير المختص. فلا تنظم أي مداولة ولا تطلب أي استشارة ولا تعلن أي معلومة وتتخذ جميع القرارات المتعلقة بالأعمال الكبيرة في دوائر خاصة ضيقة جداً أحاط بها رئيس الحكومة نفسه". 

ويقول:  "لم تعد الحكومة تخفي نيتها في تشريع الأبواب أمام تملك الأجانب العقاري، وبخاصة أمام عرب الخليج. وهي، إذ تراهن على الأرباح المالية التي سيستفيد منها المالكون الراغبون في بيع ملاكهم، وعلى تدفق المشترين المحررين من أي عائق أو أي قيد، فإنها تحسب أن في وسعها الحصول، من البرلمان بسهولة، على تعديل القانون المرعي الإجراء وإلغاء كل تضييق على شراء الأراضي الزراعية والأراضي المعدة للبناء من قبل الأجانب والعرب. وعلى الرغم من التشريع الحالي، فان الصفقات العقارية المعقودة، بصورة مباشرة (أو غير مباشرة حين تتجاوز المساحة المسموح بها)، من قبل المشترين العرب، ما تزال تتزايد واصلة إلى مستوى مقلق. وهكذا قد يرى رئيس الحكومة، الذي كون لنفسه تركة عقارية ضخمة في ظروف جد ملائمة، أن الوقت قد حان لترتفع قيمة استثماراته ارتفاعاً كبيراً. وهو يظن، بتأثير من نماذج من نوع موناكو، وهونغ كونغ، والرياض، على الأرجح، أن مضاربة عقارية متحررة من عقالها ستسهم، بالإضافة إلى الربح الشخصي الذي توفره له، في نمو اقتصادي يرافقها بل سيسهم، ولم لا، في نمو اقتصادي يسبقها. لكن الوضع الجغرافي للبنان، وسماته الخاصة، وتقاليد شعبه، ورسالته الطبيعية لا تتلاءم مع مثل هذه النماذج. فالأسعار فيه مرتفعة بما يكفي، ولا تتحمل الزيادة، وموقع بيروت المالي معرض، بما يكفي كي لا يشكل ملجأ للمافيا من كل الأجناس، وسوقاً إضافية لتبيض مالها الوسخ. وبقدر ما يجب الترحيب بالتوظيفات المنتجة الأجنبية، يجب منع استيلاء المال العالمي على ملكيته العقارية. ويجب أن يكون في وسع المواطنين، مهما شحت مواردهم، حيازة أرض بيوتهم، وتجهيزاتهم الاجتماعية والثقافية، واستثماراتهم الزراعية ومكاتبهم ومتاجرهم ومعاملهم، وذلك بأسعار تلائم قدراتهم. أن جهل هذه البداهات معناه استلاب المستقبل استلاباً نهائياً".

وللحديث صلة وتابع..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل