العهد بحاجة الى "المكتب الثاني" لِقَمع الفساد ـ أمين أبو راشد

الأربعاء 24 نيسان , 2019 08:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

موظفة في إحدى المستشفيات الحكومية حضَرت الى شركة خاصة للخدمات لإجراء معاملة شخصية لها، وعند الإنتهاء، أبرزت "إذن مُغادرة" من رئيسها في العمل، وطلبت توقيع الإذن من مسؤول  في الشركة إثباتاً أنها حضرت لإنجاز المعاملة، وإلّا يُعتبر إذن المُغادرة لاغياً. وهنا من حقِّنا التساؤل، منذ متى هذا الإنضباط في المستشفيات الحكومية، أم أنه بدأ مع "الكبسات" التي يقوم بها وزير الصحة الدكتور جميل جبق وتحذيره إدارات هذه المستشفيات بوجوب الإلتزام بالدوام وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين؟

سَرَدنا واقعة واحدة لِنُثبت، أن الفلتان القائم منذ عقود في مؤسسات القطاع العام، هو الهدر بعينه، على موظفين يعتبرون رواتبهم وتعويضاتهم وتقاعدهم من قبيل تحصيل الحاصل بصرف النظر عن الأداء، وما زال آلاف الموظفين من مدنيين وعسكريين يُثبتون حضورهم ويُغادرون مكان العمل ما دام هناك من يُغطِّي غيابهم، لدرجة أن بعض العسكريين المُفرزين لمرافقة الضباط، قد لا يُدامون، لأن الضابط المُفرز لديه العُنصر ليس بحاجة إليه ويقول له حرفياً، "إبقَ في المنزل وعندما أحتاجك أطلبك"، ولن ندخُل هنا في المهام الذليلة التي يكلَّف بها العسكريون المُرافقون للضباط، من توصيل "المدام" الى مصفّف الشعر، الى "تعتيل" مشتريات "الشوبينغ"، الى توصيل "الدليفري"، وانتهاء بتنزيل كيس الزبالة!

عهد فخامة الرئيس ميشال عون رفع شعار "شطف الدرج من الأعلى"، لكن هذا الشعار لم يعُد كافياً للقضاء على الفساد، لأن "قوارض النهب والهدر" هُم في أسفل الدرج من أُجَرَاء القطاع العام، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وهُم ضمن منظومة الفساد نتيجة الفوضى السائدة في الدوائر التي هي على تماس مباشر مع المواطنين، بحيث أن هناك آلافاً من الموظفين الذين لا يُداومون أصلاً، وهناك من يُداومون ولا عمل لهم نتيجة استخدامهم ضمن المحاصصات السياسية، والمُنتجون من الموظفين الحكوميين هُم من جماعة "الجارور المفتوح" ولا معاملة تُنجَز بدون "شوفة الخاطر" الإلزامية.

وكي نؤكد على ضرورة التزامن بين "شطف الدرج من فوق" وتنظيف الجحور في أسفله، نتساءل مع وزير المال عن سبب العجز اللافت في الجبايات الضريبية، سواء كانت ضرائباً على الأرباح أو القيمة المُضافة، أو سواهما من رسوم التخمين العقاري، ونقولها بصراحة، أن الجميع مُشاركون في أعمال التهرُّب الضريبي، وأن غالبية الموظفين المٌناطة بهم هذه المهام، هُم شركاء مع الشركات لقاء "شوفة خاطر" جمعوا من خلالها الملايين.

جحور الفساد في المؤسسات الحكومية، لا تضبطها زيارة وزير أو "كبسات" رقابية، لأن الوضع يحتاج الى ما يُشبه عمل "المكتب الثاني"، له عيونٌ في كل مؤسسة ودائرة عبر موظفين موثوقين، ومجلس الخدمة المدنية، والتفتيش المركزي، وديوان المحاسبة، وكل الأجهزة الرقابية، مطلوبٌ أن يكون لها مواردها البشرية على الأرض للتقصِّي والتحقيق ورفع التوصيات بحقّ المُخالفين، وإذا كانت الدولة بصدد إعداد الموازنة وعصر النفقات، فهذا يعني أن القطاع العام في كافة الوزارات والمصالح والدوائر، عليه الإستفادة من الطاقات التي تعيش تَرَف الوظيفة العامة بلا عمل، وتجنيد كل الفائض في العديد لديها لإملاء الشواغر في أماكن أخرى، وتأهيل كوادر موجودة أصلاً لتكون نواة تشكيل "المكتب الثاني"، لأن المواطن اللبناني فشِل في تطبيق مقولة "كل مواطن خفير"، وأنه بإهماله لهذا الواجب الوطني، ساهم في نموّ القوارض التي تنهش جيوبه وتنهش الدولة التي اعتاد أن يرمي عليها كل التَبِعات...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل