قبلة الكون والثقافات بِسُورِهَا القَديم وأبوابها السبعة .. إنها دمشق

الثلاثاء 23 نيسان , 2019 03:59 توقيت بيروت ثقافة

الثبات ـ ثقافة 

 تُعتبر دمشق أقدم مدن الأرض قِدماً، وأكبرها سِناً، وأرسَخُها في الحضارة قَدماً، جَمَعت عظمة الماضي وروعة الحاضر، حَبَاها الله بمِيزات جعلها محط أنظار العالم، جغرافياً، إقليمياً، تاريخياً، علمياً، دينياً، فنياً، عمرانياً ، وتوالت فيها الحضارات وتمازجت الثقافات والتقاليد، فأخذت وأعطت وتفاعلت فأنتجت آثار وأوابد ومنشآت يتجلى فيها هذا التمازج .

يقول ياقوت الحموي في (معجم البلدان): إن أول حائط وضع في الأرض بعد الطوفان هو حائط (دمشق) وقد كان لِسُورِ المدينة سبعة أبواب في العهد الروماني، أما على السور الغربي فإن الأبواب كانت تزيد وتنقص بين الحين والآخر كلما جدد السور فَتُسَدُّ أبوابٌ وتُفتحُ أبوابٌ أخرى، اختفت بعض الأبواب حالياً وحلت مكانها أبنية أو طرق أو أسواق وأبواب سور دمشق على مر العصور.

ويروي المؤرخ حسن البدري في كتابه (نزهة الإمام في محاسن الشام) وصفاً طريفاً لأبواب دمشق القديمة وعلاقتها بالكواكب فيقول: كانت صور الكواكب على هذه الأبواب، زحل على باب كيسان، والشمس على الباب الشرقي، والزهرة على باب توما، والقمر على باب الجنيق، وعطارد على باب الفراديس، وصورة المشتري على باب الجابية، أما المريخ فعلى الباب الصغير.

كما يروي ابن عساكر في تاريخ بناء مدينة دمشق: بلغني عن بعضهم أن الذي بنى دمشق بناها على الكواكب السبعة، وأن المشتري بيته دمشق، وجعل لها سبعة أبواب وصور على كل باب أحد الكواكب السبعة وصور على الباب الذي يقال له اليوم باب كيسان زحل، فخربت الصور كلها التي كانت على الأبواب إلا باب كيسان، فإذا صورة زحل عليه باقية إلى الساعة.

تنقسم دمشق القديمة إلى منطقتين:

الأولى: وهي الأقدم، استوطنها الآرميون -اليونانيون- الرومانيون. منذ آلاف السنين. تضم السور القديم وأبوابه.

 والثانية: خارج السور وداخل السور حاراتها المحدثة مثل الصالحية، الميدان، الشاغور، ساروجة .

 وفي دمشق عاش اليونان مع الآراميين جنباً إلى جنب، وأصبح لليونان جالية كبيرة، سكنت دمشق، ونتيجة هذا التمازج كانت الثقافة الهلنستية التي طبعت دمشق بطابعها عدة قرون، ولكن بمجيء الامبراطورية الرومانية، حظيت دمشق بتنظيم جديد، أحيطت بسور واسع مستطيل بني بالأحجار الضخمة، وزود بسبعة أبواب.

أول من سكن "دمشق" الآرميون: وهم شعوب عربية قديمة هاجرت من شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين قبل الميلاد، أسسوا ممالك في سورية وجعلوا من دمشق عاصمة لدولتهم الصغيرة، وتدل الدراسات أنها كانت لا تتجاوز الكيلو متر مربع، وشغلت أبنيتها وأزقتها الجانب العربي من المدينة لارتفاعها، وكانت تسمى "دار ميسيق"، أي الدار المسقيّة، ودلت الحفريات بعدم وجود أي مظهر عمراني في مساكنها وشوارعها خارج هذه المنطقة، وشغل معبد "حدد" القسم الجنوبي للملكة، أي موقع الجامع، والقصر الملكي يقع إلى غربي المعبد، (عُثر على لوح حجري ضخم يعود لهذا العهد في أساسيات الجدار الشمالي للجامع).

 وتوالى على هذه المملكة احتلال آشوري، ومن ثم كلداني، والفارسي، وتحدثنا المصادر أن لا شيء هام حدث في مدينة "دمشق" من الناحية العمرانية والفنية، إلى أن جاء اليونان إليها إثر الاحتلال المكدوني عام 333 قبل الميلاد، ويروي ابن عساكر في تاريخه، والبدري في "نزهة الأنام في محاسن الشام": "اتفق المؤرخون أن اليونانيون هم من وضعوا الأرصاد وتكلموا على حركة الكواكب واتصالاتها ومقارنتها، وبنوا دمشق في طالع سعيد"وكان الازدهار الاقتصادي، وزيادة عدد السكان، في عصرهم سبباً لتوسيع مدينة "دمشق"، وبدأت تشهد الأنشطة المتنوعة والازدهار المشع في كافة الجوانب، قام الرومان بإحاطتها بسور واسع ومستطيل مبنى بالحجارة الضخمة، وزود هذا السور بأبواب لحمايتها، وحماية السكان والمنشآت، إذا لا يمكن الوصول إلى الداخل إلا من خلالها، قد يكون هذا السور فوق السور الذي بناه غلام الإسكندر، حيث جاء أكثر قوةً وتنظيماً.

أما الأسوار فقد وجدت حول المدن لحمايتها من الهجمات الخارجية وهو أسلوب أتبعه اليونان، وضمن السور وجدت الأبواب للدخول والخروج من وإلى المدينة، ويعتقد الباحثون في تاريخ دمشق أن سور المدينة قد تواجد حولها منذ العهد الآرامي وبعده اليوناني، وعندما سيطر الرومان على دمشق عام 64 ق.م عمدوا إلى تجديد الأسوار وإعادة بنائها فأحاطوا المدينة بسور حجري تضمن سبعة أبواب نسبة للرقم (7) وهو رقم ذو قدسية عند كثير من الشعوب وهذه الأبواب هي:

في شمال المدينة: باب الفراديس (عطارد) – باب الجنيق (القمر) – باب توما (زهرة). 

في شرق المدينة: الباب الشرقي (الشمس)، وفي غربها: باب الجابية (المشتري)، وهما بابان ذو ثلاث فتحات، في الوسط بوابة كبيرة وعلى جانبيها بوابتان أصغر حجماً متصلتان سوية بالشارع المستقيم والذي يبلغ طوله حوالي 1500م.

في جنوب المدينة: الباب الصغير (المريخ) – باب كيسان (زحل) مع ملاحظة اختلاف تسميات الأبواب عبر العصور.

ومع قدوم الفتح الإسلامي العربي لدمشق سنة 14هـ  بقي السور والأبواب على حالها دون أن تتأذى لأن دخول العرب المسلمين للمدينة كان صلحاً، وفي العهد الأموي الذهبي أخذت المدينة بالتوسع خارج الأسوار وظهرت أحياء وضواحي جديدة في سفوح جبل قاسيون وعلى ضفاف نهر بردى، وفي عام 549هـ / 1154م كان دخول السلطان نور الدين محمود الزنكي لدمشق واستلامه للحكم فيها فقام بعملية تحصين شاملة للمدينة ورمم مات هدم من سورها وأبوابها نتيجة الحملات الصليبية والفتن الداخلية، وأقام الأبراج المستديرة على السور وقام بفتح أبوب جديدة مثل باب الفرج وباب السلامة كما قام بسد أبواب أخرى كباب كيسان وجزء من الباب الشرقي.

بنى نور الدين لكل باب من الأبواب مسجداً مع مئذنة تعلوه يمكن من خلالها مراقبة الأعداء من الأعلى، كما جعل على كل باب من الجهة الخارجية سوقاً صغيراً متعرجاً يسمى (باشورة) وذلك بهدف عرقلة دخول الأعداء للمدينة فضلاً عن تنشيط الحركة الاقتصادية في منطقة الأبواب، كما قام نور الدين بتوسيع سور المدينة الممتد بين باب الفرج وباب الفراديس ليكون السور الجديد محاذياً للنهر وهذا أدى لنشوء حي يين السور القديم والجديد يسمى (بين السورين)، وفي العهد الأيوبي رُمِّمَت وجُدِّدَت بعضُ الأبواب والأبراج لدرء الخطر الصليبي، واستمر حال السور والأبواب في العهد المملوكي مع إدخال بعض التعديلات والترميمات عليه حسب الحاجة.

ومع قدوم العهد العثماني عام 922هـ / 1516م ونظراً لمنعة الدولة العثمانية وسعة انتشارها وزوال الخطر الصليبي القريب فضلاً عن انتشار وسائل الحرب الحديثة المتمثلة باستخدام البارود أخذ الاهتمام بالسور والتحصينات يتلاشى وتعرض السور للإهمال واستخدمت أجزاء منه في بناء المباني الرسمية في أمكان أخرى من المدينة وأنشئت الدور والمساكن على أجزاء منه وزالت أجزاء أخرى.

وقد تعرض السور والأبواب عبر الزمن لكثير من الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات إضافة لما أحدثه البشر من تخريب، وفي القرن العشرين أجريت عدة ترميمات طالت عدداً من الأبواب، واليوم إذا ما نظرنا لهذا السور نلاحظ المستويات الدنيا منه مبنية بحجارة كبيرة الحجم بعكس المستويات العليا التي يصغر حجم حجارتها، ذلك أن كل سوية تعبر عن المرحلة التي أنشئ بها، والسويات الدنيا في الغالب رومانية أما السويات العليا فتعود للعهود الإسلامية اللاحقة.

وأفضل أجزء السور هي المنطقة الممتدة من باب السلام ولغاية باب توما، وتليها المنطقة الممتدة من باب توما لغاية باب كيسان، ويمكن للباحث أن يجد بعض القطع والأجزاء المختفية بين الحارات في مناطق أخرى حول المدينة القديمة.

ومن أهم الأبراج الموجودة حالياً برج نور الدين الشهيد (منطقة السنانية) أنشئ في عهد السلطان نور الدين عام 564هـ / 1168م وأعيد ترميمه في العهد المملوكي، وبرج الملك الصالح أيوب (منطقة باب توما) أنشئ في العهد الأيوبي عام 646هـ / 1248م، وحديثاً أُعيد الكشف عن برج أيوبي قبالة الباب الشرقي ضمن النفق المحدث هناك، كما ظهرت قاعدة برج إلى القرب من باب كيسان (دوار البيطرة) خلال عمليات إظهار سور دمشق في تلك المنطقة وظهر إلى جانبه لوحة حجرية تشير إلى السلطان نور الدين الزنكي.

اختلفوا في عدد أبوابها، فابن جبير في رحلته (من علماء الأندلس في القرن السادس الهجري) قال أن لهذه البلدة ثمانية أبواب كأبواب الجنة: باب شرقي، باب توما، باب السلامة، باب الفراديس، باب الفرج، باب النصر، باب الجابية، ثم باب الصغير.

بينما ابن عساكر في تاريخه، والبدري، يخبرنا أن لمدينة "دمشق" القديمة سبعة أبواب رومانية الأصل وهي المعروفة حالياً في عصرنا .

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل