"التجربة المصرية" تجتاح أفريقيا العربية ـ عدنان الساحلي

الجمعة 12 نيسان , 2019 09:56 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

باستثناء المملكة المغربية، تبدو دول شمال أفريقيا العربية تحت ضغط استنساخ التجربة المصرية، في إحلال العسكر مكان الأحزاب والقوى الشعبية، فالجيش شكل خشبة خلاص مصر من حكم "الإخوان المسلمين" بعد أن إنضموا متأخرين وركبوا موجة الإحتجاجات الشعبية ضد حكم حسني مبارك، ثم حولوا وجهة عداء مصر باتجاه سورية، حيث وقف محمد مرسي منادياً "لبيك سورية"، قافزاً فوق فلسطين ومتجاهلاً الخطر الصهيوني، بناء لتوجيهات من وظف "الإخوان" لقنص ما سمي "الربيع العربي" في مختلف البلدان والساحات التي شهدت حراكاً شعبياً تحت هذه اللافتة.

أنقذ الحراك الشعبي المليوني مصر من حكم "الإخوان"، فكان العسكر وعبد الفتاح السيسي بديلاً وإن كان لا يلبي الطموحات الشعبية، لكنه يسقط خطة تفتيت المنطقة واشعال الحروب الأهلية فيها، التي صاغها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبتنفيذ تركي، سعودي، قطري، إماراتي وأردني، بإشراف منسق عام جال على كل الساحات وأشرف على تظاهراتها وخطب فيها، هو الصهيوني اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي.

أما في ليبيا، فإن إسقاط معمر القذافي وقتله كان وسيلة لإشعال حروب ليبية جهوية برز "الأخوان" طرفاً أساسياً فيها، إذ كان صانعو المؤامرة وعدوهم بتسلم سلطات ما يطالون من أنظمة وبلدان، مقابل أن يقدموا رأس سورية ومحور المقاومة على طبق من اللحم والدم، للمشروع الأميركي –الصهيوني السعودي المتمثل حالياً في "صفقة القرن". لكن الفشل في سورية كشف كذب الوعود الأميركية ل"الإخوان"، فسرعان ما انقلبت عليهم السعودية والإمارات وبدأتا شن حرب صليبية عليهم، إفتتحت بدعم إنقلاب السيسي عليهم ومحاولة رجل أميركا فتح الله غولن الإنقلاب على حكم "إخوان" تركيا، بقيادة رجب طيب أردوغان وبحصار قطر ومحاولة غزوها من قبل السعودية والإمارات. وها هو رجل أميركا في ليبيا اللواء خليفة حفتر ينقض بجيشه على العاصمة طرابلس الغرب، مدعوماً من مصر والإمارات وغيرهما، في محاولة منه لإسقاط حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي وهما القريبان من تنظيم "الإخوان" في ليبيا.

والحال ليس بعيداً في الجزائر، فالجزائريون لا ينسون "العشرية السوداء" التي شهدت صدامات ومجازر دامية بين الجيش و"الإخوان"، بدأت عام 1992 إثر منع العسكر "جبهة الإنقاذ الإسلامية" من تسلم السلطة بعد فوزها في انتخابات عام1991. واليوم يراهن "الإخوان" على تسلم الحكم عبر إسقاط نظام حزب "جبهة التحرير الوطني" برمته وليس بوتفليقة وحده، الذي كان في أواخر أيام حكمه مجرد واجهة لحكم مجموعة مافيات سياسية وإقتصادية تستعمل شقيقه سعيد بو تفليقة ستاراً لتحكمها بالبلاد. وهذا يفسر سبب تدخل الجيش وإجباره الرئيس العجوز على التنحي، لإتاحة الفرصة أمام الجيش ليهندس "حلاً ديموقراطياً" عبر إنتخابات بعد ثلاثة أشهر، لا يترك فيها مجالاً لأحلام بقايا "جبهة الإنقاذ الإسلامي" باستلام السلطة في الجزائر.

هذاالسيناريو" ينفذ شبيهه في السودان، فعمر حسن البشير خرج من رحم "الإخوان المسلمين" عندما نفذ إنقلابه على حكومة الأحزاب بقيادة الصادق المهدي عام 1989، حيث دعمته "الجبهة القومية الإسلامية" بقيادة حسن الترابي، لكن خلاف فرع السودان الداعم للبشير مع "التنظيم الدولي للإخوان" ممثلاً بالترابي، جعل هوية حكم البشير ملتبسة، على الرغم من أن نائب البشير علي عثمان محمد  طه، كان مسؤول الشباب والطلاب في "جبهة الترابي". والآن تتشارك جماعة "الإخوان" مع حزب الصادق المهدي (حزب الأمة) وغيرهم من قوى سياسية، في حملة الإطاحة بالبشير. فيتولى الجيش إقالة البشير ليتسنى له الحكم لفترة إنتقالية تمنع جماعة "الإخوان" من حكم الخرطوم.

وليس بعيداًعن هذه الأجواء دار صراع في تونس إستبعدت فيه "حركة النهضة" (الإخوانية) من الحكم، بعدما نفذ تنظيمها السري إغتيالات طالت شخصيات وطنية وعروبية. ولا تبدو الأمور في سياق يخدم هذه الجماعة في ظل عودة "البورقيبية" وتسلمها الحكم ممثلة بالرئيس قائد السبسي. أما المغرب وهو الإستثناء الوحيد في "ربيع" شمال أفريقيا العربي ومغربه، فإن الرضى الكامل للأميركيين والأوروبيين ومن ورائهم من عرب و"إسرائيليين" عن نظام الملك محمد الخامس، جعل الأخير يعمل بنصيحة عابرة للحدود قام إثرها بتكليف "إخواني" من حزب العدالة والتنمية (عبد الإله بنكيران) برئاسة الحكومة عام 2012 مما جنب المغرب كل آثار "الربيع" المدمر الذي أهلك الزرع والضرع في معظم بلاد العرب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل