الفساد في لبنان .. نظام منتج للازمات والفضائح 2/4 ـ أحمد زين الدين

الأربعاء 10 نيسان , 2019 12:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

وصف الرئيس الاستقلالي الثالث، فؤاد شهاب، السياسيين اللبنانيين بـ"أكلة الجبنة"، رغم أن الرئيس شهاب وضع اللبنات الأساسية لدولة المؤسسات، ويكفي أن نشير أن ميزانية الدولة قبل بداية العهد الشهابي، كانت تبلغ نحو مليون ليرة لبنانية فقط، فأصبحت مع نهاية العهد في العام 1964 تفوق الـ500 مليون ليرة، دون أن تتراكم الديون، ودون زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين، لأن السياسة الشهابية خلقت جواً من النمو الاقتصادي العام في البلاد، وبالتالي تزايدت موارد الدولة وانفاقها على المشاريع والخدمات العامة.

ويمكن التأكيد أن المرحلة الشهابية هي التي وضعت خطة انمائية واضحة للبنان، فبعد الخطة الانمائية الأولى التي وضعتها بعثة ايرفد لتحقيق الانماء الشامل، كات الخطة الخمسية الثانية التي استمر تنفيذها بعد انتهاء ولاية الرئيس شهاب واستمرت حتى عام 1970.

حتى في السياسة الخارجية، اتبع الرئيس شهاب سياسة الانفتاح على الغرب والدول الكبرى، دون أن يقاطع الاتحاد السوفياتي، معتبراً الدولة الاشتراكية دولاً صديقة، خلاف العهد السابق (الشمعوني)، وبالتالي أمن استقراراً للبنان بعيداً عن المنازعات والاحلاف الدولية.

بيد أن الرئيس شهاب، كان من موقعه سواء في قيادة الجيش أم في رئاسة الجمهورة، قد كشف حقيقة وواقع الطبقة السياسية التي لا يمكن التعايش معها، فأطلق عليهما وصفه الشهير "أكلة الجبنة".. وإذا كان يسجل من مآخذ على المرحلة الشهابية فهي تدخل الشعبية الثانية، في الحياة السياسية، ولعل السبب في ذلك أن الرئيس شهاب لم لكن يطمئن إلى سلوك الطبقة السياسية، فكان يرتاح إلى التعاون مع الضباط القدامى من رفاقه الذين اختبر كفاءتهم ووثق بهم وبولائهم أثناء خدمتهم معه في الجيش، وكان هذا التعاون يتم عبر بعض الضباط الذين اختارهم للعمل في الغرفة العسكرية في القصر الجمهوري وضباط المكتب الثاني في الجيش الذي يدخل ضمن صلاحياته السهر على أمن البلاد وسلامة الجيش، وبهذا لم يخل الحال من تجاوزات للشعبية الثانية، ما اثار نقمة المعارضين للشهابية.

بعد الرئيس فؤاد شهاب، كان الرئيس شارل حلو الذي بدأ العمل للافلات من ظل سلفه الذي اختاره للمركز الأول في البلاد، ولهذا سرعان ما انفتح على المعارضة للرئيس شهاب وأهمل المشاريع الاجتماعية والانمائية التي كان الرئيس شهاب قد اطلقها، مما ادى إلى تدهور العلاقة بينه وبين سلفه، وظل ضباط المكتب الثاني يلعبون دور الوسيط بينه وبين الرئيس السابق، مما اعطى أهمية كبيرة لهذا الكتب الذي تعاظم دوره السياسي، وادى إلى استغلال المعارضة لهذه الظاهرة وباشروا العمل على تهديم الشهابية ككل، في وقت ترك الرئيس حلو الأمور تتفاعل، ملتزماً دوراً حيادياً في الظاهر، ومشجعاً للمعارضة في السر، خصوصاً بعد حرب حزيران عام 1967، فخيب شارل حلو أمل فؤاد شهاب.

وفي هذا العهد كانت سلسلة من الفضائح، صفقة الكروتال، إفلاس بنك انترا، العدوان الصهيوني على مطار بيروت وتدمير اسطول الميدل ايست الخ...، لنكون بعدها أمام تطورت جديدة، كان ابرزها ما تردد عن محاولة سوفياتية لخطف طائرة ميراج، حيث اتهمت المخابرات السوفياتية الـ"كا جي بي" بمحاولة الاختطاف لمعرفة اسرارها، وإذ نفى السوفيات بشدة أن يكون لديهم أي خطط لخطف "الميراج"، استنكر كمال جنبلاط والاحزاب اليسارية هذه التهمة ووصفوها بأنها من "بنات خيال اجهزة الدكتيلو" وهي من الصفات التي اخذت تطلق على المكتب الثاني، فكان أن انقلب كمال جنبلاط على الشهابية، وايد في الانتخابات الرئاسية في عام 1970 النائب سليمان فرنجية على مرشح شهاب حاكم مصرف لبنان في حينه، الياس سركيس، ففاز فرنجية بفارق صوت واحد، (50 ـ 49) لتكون البلاد أمام مرحلة جديدة من التطورات الخطيرة، تؤكد مدى هشاشة النظام السياسي اللبناني الذي يسهم في ولادة الأزمات ... والحروب الأهلية أيضاً.

فإلى مرحلة جديدة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل