تهويل حكومي لتمرير قروض "سيدر" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 05 نيسان , 2019 09:48 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تقف الموازنة العامة المزمع أن تنجز للعام الحالي 2019 في عنق زجاجة بالفعل، فلا الحكومة قابلة أو قادرة على إستعادة المال العام المنهوب، لأنه في جيوب أعضائها ومرجعياتهم السياسية والطائفية والمتعهدين والسماسرة التابعين لهم. ولا هي قادرة على تمويل الإستحقاقات الملحة هذا العام، خصوصاً الديون المستحقة وفوائد خدمة الدين العام التي تبلغ معاً 17 مليار دولار. ولذلك تجدها "تستقتل" للحصول على القروض المقررة في مؤتمر "سيدر" حتى لو إقتضى الأمر تدفيع المواطن ثمن السياسات الإقتصادية الخاطئة التي إعتمدت خلال العقود الثلاثة الماضة؛ وأدت إلى إفقار معظم اللبنانيين وتطفيش شبابهم إلى دنيا الله الواسعة بحثاً عن حياة أفضل.

يربط "المُجتمع الدَولي" صرف الأموال التي أقرّت في مؤتمر "سيدر" ومُختلف المشاريع المُموّلة من البنك الدَولي، بالإصلاحات في لبنان وبوقف الهدر وبخفض العجز وبمحاربة الفساد. والإلتزام بهذه الشروط سيظهر في أرقام الموازنة وبنود الصرف فيها.

 بالمقابل، تعرف الحكومة أن خفض العجز لا يتم إلا عبر طريقين: 1- وقف الهدر وهو الإسم الملطف للسرقات، وهذا أمر يوازي البطالة بالنسبة للطاقم السياسي الحاكم. 2- تحميل المواطن عبء هذا العجز رغم أنه لم يعد يتحمل أعباء مادية ورسوماً وضرائب، بعد أن وصل الدين العام الذي يثقل عليه وعلى مداخيله وقدرته الشرائية إلى قرابة المائة مليار دولار أميركي. والحكومة بالعقلية التي تدير بها السياسة الإقتصادية للبلاد لا تجد غير جيب المواطن محدود الدخل لتأخذ منه ما يغطي حاجاتها ومتطلبات الإستدانة، التي تحصل عليها حيناً من الخارج بشروط سياسية؛ وحيناً أخر من الداخل بفوائد عالية تدفعها لأصحاب المصارف، الذين تضاعفت ثرواتهم بشكل فلكي خلال العقود الثلاثة الماضية بفضل هذه السياسة. وهذه السياسة بالذات هي السبب في تمرير الإتفاقيات والتلزيمات الحكومية بالتراضي، في مخالفة للقانون الذي يشترط إجراء مناقصات عمومية عبر إدارة المناقصات.

يؤكد المسؤولون على ضرورة خفض أرقام الموازنة العامة، تحت التهديد بأن عدم حصول التخفيض سيجعل البلد في وضع غير سليم. لكنهم يتجاهلون اقفال "حنفيات" الهدر التي تمسكها أيديهم. ويعرف اللبنانيون وتعرف الحكومة قبلهم، أن مكامن الهدر ماثلة أمامهم، لكن لا يمكن المس بها، لأنها "حصة الطائفة الفلانية أو العلانية من مداخيل الدولة وثروات البلاد". ويمكن إعطاء عشرات الأمثلة على ذلك، مثل المعاينة الميكانيكية ومؤسسة "اليسار" التي لا عمل لها، "أوجيرو" و"كازينو لبنان"، إدارة شركات الخليوي ووزارة المهجرين، "مجلس الإنماء والإعمار" و"هيئة الإغاثة العليا"، مجلس الجنوب، رواتب المستشارين الخيالية، التهرب الضريبي والإعفاءات الجمركية وغيرها كثير. فلكل مرجعية ولكل طائفة حصتها من المال العام تصرفها وفق مشيئتها. حتى أن التعيين في المؤسسات العسكرية والأمنية يتجاهل أن الآلاف من عناصرها تهدر جهودهم في خدمة من هم أعلى رتبة منهم، أو في حراسات لمن لا حق له بها، أو أنها اكبر مما يستحق. لكن لا يمكن تغيير هذا الواقع المكلف، لأن المحاصصة الطائفية المترجمة سياسياً، لا تسمح بأي مس بهذه ألإمتيازات. في حين يتم التلميح يومياً لإتخاذ إجراءات قاسية وغير شعبيّة، مثل خفض جزئي لرواتب القطاع العام، الإستغناء عن المُتعاقدين الذين جرى توظيفهم خلافًا للقانون في المرحلة الأخيرة، زيادة تعرفة الكهرباء قبل تأمينها للمواطنين، أو رفع سعر صفيحة البنزين وهذا الأخير يحصل بصمت أسبوعيا وبقفزات ملحوظة.

لذلك، يبدو التهويل بالإنهيار الإقتصادي تحضيراً لتلك القرارات "غير الشعبية" التي تستعد قطاعات شعبية واسعة لمواجهتها في الشارع. فهل ترتكب الحكومة حماقة الإصطدام بالشارع المحتقن، أم تتخلى عن سياسة الإستدانة وتتجاهل قروض "سيدر" التي لا تفيد لبنان، حسب خبراء إقتصاديين، بل تفيد المتعهدين والشركات الكبرى.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل